أحد أنّ الإذهاب لا يكون إلا بعد الثبوت ، فقوله تعالى : (لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ) ، يكون دالا على أنّه كان ثابتا فيهم ، لأنّ هذا مدفوع بأنّ مبنى هذا القول على التخيّل الذهني
__________________
هذه الآية دلالة نقض ما يقوله المعتزلة من أن الله تعالى قد أراد أن يطهر الخلق كلهم الكافر والمسلم وأراد أن يذهب الرجس عنهم جميعا. لكن الكافر حيث أراد أن لا يطهّر نفسه ولا يذهب عنه الرجس لم يطهر ، فلو كان على ما يقولون لم يكن لتخصيص هؤلاء عن التطهير ورفع الرجس عنهم فائدة ولا منة ، فدل على أنه انما يطهر من علم منه اختياره الطهارة وترك الرجس ، وأما من علم منه اختيار الرجس فلا يحتمل أن يذهب منه الرجس أو يريد منه غير ما يعلم أنه يختار ، وأن التطهير لمن يكون ، انما يكون بالله لا بما يقوله المعتزلة حيث قال : (وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) ؛ إذ على قولهم لا يملك هو تطهير من أراد تطهيره ، إذ لم يبق عنده ما يطهرهم ، فذلك كله ينقض عليهم أقوالهم ومذاهبهم (انتهى) ووجه الدفع ظاهر ، وأيضا مدفوع بأن الإرادة للعامة التي أثبتها المعتزلة لله تعالى في تطهير كل الخلائق هو إرادته ذلك مقرونا باختيار الخلق لا الإرادة الاجبارية المدلول عليها بقوله تعالى : (فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ) ، ونحوها من الآيات فوجه التخصيص ظاهر وفائدته ظاهرة والمنة فيه أوضح ولله الحمد والمنة. واما ما ذكره من أن التطهير انما يكون بالله لا بما يقوله المعتزلة إلخ ففيه أنا نسأل عنه ونقول له : ما تريد أيها الماتريدي بما يقوله المعتزلة هاهنا ولم يسمع أحد منهم القول : بأن التطهير وفعل العصمة صادر عن غير الله بل عدوهم ذلك من الألطاف وفسروها بأنها لطف يفعل الله بالمكلف لا يكون معه داع الى ترك الطاعة وفعل المعصية مع إمكان وجوده صريح في اعتقادهم أنه فعل الله تعالى فظهر أن إتيانه بهذه النقوض المنقوضة الواهية علامة حرمانه من ألطاف الله تعالى تأمل تقر بنفحات لطفه سبحانه (منه قده).