ونصّ الكتاب ، فانّ العقل يقبح تعظيم المفضول وإهانة الفاضل ورفع مرتبة المفضول وخفض مرتبة الفاضل ، والقرآن نصّ على إنكار ذلك فقال تعالى : (أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) (١) وقال الله تعالى : (هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ) (٢) وكيف ينقاد الأعلم الأزهد الأشرف حسبا ونسبا للأدون في ذلك كلّه انتهى.
قال النّاصب خفضه الله
أقول : المراد من كون الامام أفضل من الرّعيّة إن كان كونه أحسب وأنسب وأشرف وأعرف وأعفّ وأشجع وأعلم فلا يلزم وجوبه عقلا كما ادّعاه على تقدير القول بالوجوب العقليّ ، لأنّ صريح العقل يحكم بأنّ مدار الامامة على حفظ الحوزة والعلم بالرئاسة
__________________
وتعينها وتحققها في الخارج ، إذا عرفت ذلك فنقول : الامام انما يكون افضل من غيره إذا كان حائزا للفضائل المولدية والكمالات النفسانية والعملية المتوقفة على كونه عالما بالدين والمعارف الحقة والحقائق الالهية والاحكام الشرعية ، عارفا بالمصالح الواقعية وباهمها ومهمها وما يحفها من المفاسد ورجحان أية مصلحة على أية مفسدة واى مفسدة على اى مصلحة ، ويكون له من الورع الشديد والتقوى الأكيد ما يحجزه عن الاقدام على خلاف مصلحة من المصالح الشرعية ويلزمه على العمل بجميع ما تقتضيه على دقائقها ، ومن قوة النفس والشجاعة ما لا يهاب معها في سلوك طريق الحق عن الناس ولو تظاهروا عليه بأجمعهم ومن هذه حاله يكون اعلم وأقدر وأعمل بأمور الدين ونشره وترويجه واجراء أحكامه ونصب القضاة والحكام والولاة واعرف بمواقعها وكيفية العمل بها من المعرفة بأحوال الاشخاص وكيفية إنفاذ المصالح الشرعية فيهم فيكون ترجيح الغير عليه مخالفا لبديهة العقل.
(١) يونس. الآية ٣٥.
(٢) الزمر. الآية ٩.