وهل يقول عاقل : إنّ الكتابة إذا صارت ملكة لا ينافيها وقوع الغلط فيها بعد ذلك؟ بل الذي نقله هذا الناصب سابقا في شرح مسألة عصمة الأنبياء من تعريف الأشاعرة وهو أن لا يخلق الله فيهم ذنبا يقتضي الدّوام واللّزوم أيضا ، بل ما نقله من تعريف الحكماء ثمّة يستدعي ذلك أيضا ، فما ذكره من أنّ صدور خلاف مقتضى الملكة لا ينفي وجود الملكة مقدّمة فاسدة مخالفة للعقل والنّقل ، نعم يمكن وقوع خلاف ملكة العدالة ظاهرا لعارض كالجبر بأن أوجر (١) الخمر في حلق صاحب تلك الملكة أو كوجوب الكذب لانقاذ النبيّ الذي قصده الأعداء فانّ ارتكاب الكذب هاهنا إنّما هو لكونه أقل القبيحين وقد قال الشارع عليهالسلام : من ابتلى ببليّتين فليختر أيسرهما وحيث لا مخالفة للشّرع حقيقة في هاتين الصّورتين وما يحذو حذوها فلا يكون الإتيان بهما قادحا في ملكة العدالة ، ومن هذا الباب ما يصدر في حال التقيّة كما لا يخفى ، واما ثالثا فلأنّ إنكاره لما نسبه المصنّف إلى أصحابه من تجويزهم إمامة الفسّاق والسرّاق حيلة لا تفي بإصلاح ما أفسده أسلافه ، فقد قال الأسفرايني الشافعي (٢) في كتاب الجنايات من الينابيع : وتنعقد الامامة ببيعة أهل الحلّ والعقد من العلماء والرّؤساء ووجوه النّاس الذين يتيسّر حضورهم الموصوفين بصفات الشهود كامامة (٣)
__________________
(١) يقال : أوجره ايجارا إذا جعل الوجور في فيه والوجور : الدواء وكل ما يكرهه الشخص
(٢) قد مرت ترجمته ج ١ ص ١٠١ فراجع.
(٣) فبالله عليك أيها المنصف هل لم يكن في المدينة من اهل الحل والعقد الا نفر قليل وهم الذين اجتمعوا في السقيفة كلا ثم كلا أو لم يكن هناك عباس عم النبي وأولاده وعقيل وأولاده وبنو الحارث بن عبد المطلب وبنو مخزوم وغيرهم من كبراء بنى هاشم سادات الحرم وسائر الأكابر من المهاجرين والأنصار من أهلهما؟ ا ولم يكن حضورهم متيسرا؟ او لم يكونوا متصفين بصفات الشهود؟ وعليه فكيف تم أمر الامامة في حق أبي بكر ، وهل كان الا بالتمسك بلطائف الحيل في اذهاب حق من كان ثابت الحق الذي يدور معه حيثما دار؟