عن الأصحاب فما رأيناها في كتبهم ، ولكن ما أورد على تلك الأقوال فمجاب. وأما ما أورد على القول الأوّل وهو أنّ الاختيار والإرادة من جملة الأفعال فباطل لأنهما من جملة الصّفات ، وهو يدّعي أنّهما من جملة الأفعال ، وأصحابه قائلون بأنّ الإرادة ممّا يخلقها الله تعالى في العبد والعبد بهما يرجّح الفعل ، فالحمد لله الذي أنطقه بالحقّ على رغم منه ، فانّه صار قائلا بأنّ بعض أفعال العبد ممّا يخلقه الله تعالى ، ولكن ربما يدفعه بأنّه من الأفعال الاضطراريّة ، وعين المكابرة أن يقال الاختيار فعل اضطراري ، وأما قوله دليلهم آت في نفس هذا الاختيار ، وبيانه أنّ الاختيار فعل من الأفعال فيكون مخلوقا لله ، لأنّه ممكن وكلّ ممكن فهو مقدور لله تعالى ، فالاختيار مقدور لله فيكون مخلوقا لله ، فكيف يقال : إنّ الفعل يخلقه الله تعالى عقيب الاختيار ، فجوابه أنّ الاختيار من الصّفات التي يخلقها الله تعالى أوّلا في العبد كسائر صفاته النفسانية وكيفيّاتها المعقولة والمحسوسة ، ثمّ يترتب عليه الفعل ، فلا يأتي ما ذكره من المحذور ، لأنّا نختار أنّ الدّليل صحيح وليس هو مسندا إلى العبد ، وهو صادر عن الله تعالى ، وأما قوله : وإذا كان الاختيار صادرا عن العبد موجبا لوقوع الفعل كان الفعل مستندا إلى فاعل الاختيار إلى آخر الدليل ، فجوابه به أنّا نختار أنّ الاختيار صادر عن الله تعالى لا عن العبد ، وأيضا نختار أنّ الاختيار ليس موجبا للفعل ، قوله : لم يبق فرق بين الاختيار والأكل مثلا في نسبتهما إلى إيقاع الفعل وعدمه ، قلنا : ممنوع لما مرّ من أنّ الاختيار صفة توجب العبد التّوجه نحو تحصيل الأفعال ويخلق الفعل عقيب توجّه العبد للاختيار والفعل مقارن لذلك الاختيار ، وليس الأكل كذلك فالفرق واضح ، وأما قوله العادة غير واجبة الاستمرار فجاز أن يوجد الاختيار ولا يخلق الله الفعل عقيبه فنقول : هذا هو المدّعى ، والمراد بالجواز هو الإمكان الذّاتي وإن خالفته العادة ، ونحن لا نريد مخلصا بإثبات وجوب خلق الفعل عقيب الاختيار «انتهى».