جورا وظلما تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا ، مع أنه لا يظهر وجه في خلق الاختيار في العبد وجعله كاسبا صورة ومأخوذا بحسبه فتأمل ، وأما وصية الناصب للناظرين بتفريغ جهدهم لنيل ما ذكره في تحقيق الكسب فهي كالكسب لا حقيقة ولا معنى له لأنه قد بذل جهده في إيراد السخف لترويج هذا المطلب المستخفّ بما يعجز عنه كسب غيره ولا يبلغ إليه أحد في سيره ، واما ما ذكره من البيت فمقابل ببيتين ارتجلت في نظمهما وهما شعر :
الأشعري عن الشعور بمعزل |
|
عوج (١) مشاعره كضان أعزل (٢) |
ما كسبه عند المشاعر غير ما |
|
دون الشّعور (٣) تدار فلكة (٤) مغزل |
فانظروا معاشر الاخوان إلى هذا النّاصب الشّقي كيف يبذل جهده وقواه في ترويج فاسد الأشعري الذي وافق هواه ، مع ما علم أنّه ذلك الشّيخ المبهوت الذي ورث الحماقة عن جدّه (٥) أبي موسى ، وكان عن العقل والشعور يئوسا فلم يكن له عن
__________________
(١) صفة مشبهة بمعنى كثير الاعوجاج ، وانما جمع المشاعر مع وحدة الرجل نظرا الى تعدد مواد شعوره ، وإشارة الى أن كل شعور حاصل له معوج ، وفي تشبيه اعوجاج ذلك بذنب طويل معوج لطافة لا تخفى ، لان الأشعري رئيس ذوى الاذناب. منه «قده».
(٢) قال الفيروزآبادي في القاموس : الأعزل من الدواب المائل الذنب عادة «انتهى» ومنه يظهر وجه التشبيه كما بينه مولانا القاضي في الحاشية.
(٣) شعر به كمنع ونصر وكرم شعرا وشعرة مثله علم به ، وفطن له وعقله ، والشعر غلب على القول المنظوم لشرفه بالوزن والقافية وان كان كل علم شعرا.
(٤) فلكة المغزل : هنة في أعلاه مستديرة ، جمعها فلك بكسر الفاء كذا في كتب اللغة.
(٥) نسب الشيخ أبى الحسن الأشعري ينتهى الى أبى موسى بوسائط هكذا : هو أبو الحسن على بن اسماعيل بن أبى بشر إسحاق بن سالم بن اسماعيل بن عبد الله بن موسى ابن بلال بن أبى بردة بن أبى موسى الأشعري كما في الأنساب للسمعاني.
توفى الشيخ أبو الحسن ببغداد سنة ٣٣٧ وقيل : ٣٣٠ وقيل غير ذلك.