كالهرب من المطر إلى الميزاب (١) إذ قوله به مشتمل على جميع مفاسد الجبريّة مع ارتكاب أمر زائد غير معقول ، ثم اى دلالة لغلبة ذكر الكسب عند إرادة ترتّب الجزاء على كون المراد من الكسب المعنى الذي ذكره الأشاعرة دون الفعل بمعناه الحقيقي المساوق للخلق ، وهل هذا إلا وهما (٢) منهم على وهم؟ ، والحق أن معنى الخلق والفعل واحد وهو إيجاد ما لم يكن ، غاية الأمر أنه إذا كان ذلك الإيجاد بلا آلة كما في فعل الله تعالى يقال : إنّه خلقه ، وإذا كان بآلة كما في فعل العبد يقال : فعله ، وكذا الكلام في الكسب ، فانّه إنّما يطلق على فعل العبد ، لأنه يقصد بفعله إيصال نفع إليه أو دفع مضرة عنه ، ولمّا كان الله تعالى منزّها عن النفع والضرّ لا يطلق على فعله الكسب فاحفظ هذا (٣) ، وأما ما ذكره من أنّ الثواب والعقاب يترتّب على المحلية فهو كترتّب الذّمّ على الجماد باعتبار كونه محلّا للون كدر وهو غير معقول كما لا يخفى ، والقياس على الحطب واه لظهور انتفاء القدرة والإرادة فيه ، قوله : وهل يحسن أن يقال لم ترتّب الإحراق على الحطب إلخ قلنا : نعم لا يحسن قوله وهل هذا إلا الظلم والجور والعدوان ، قلنا : هاهنا أمران ، أحدهما خلق قوّة
__________________
(١) قال العلامة أبو الفضل أحمد بن محمد النيسابوري الميداني المتوفى سنة ٥١٨ في كتابه النفيس (مجمع الأمثال ج ٢ ص ٢٥ ط مصر) ومن أمثال المولدين : فر من المطر وقعد تحت الميزاب.
أقول : ويظهر من بعض كتب الأمثال : أن المثل المذكور جاهلى بقي تراثا من العرب العرباء والله أعلم.
(٢) وهم يهم وهما بسكون الهاء : تخيل وتصور. وهم يوهم وهما بفتح الهاء : غلط.
(٣) إشارة الى نفاسة ما ذكره في وجه التعبير بالكسب في أمثال قوله تعالى : (بِما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ) ، أولها ما كسبت ونحوهما من الآيات المذكورة فيها الكسب وأن هذا الوجه مما لم يذكر في الكتب فلا تغفل.