قال النّاصب خفضه الله
أقول : قد ذكرنا أنّ هذه الحجة أوردها الامام الرّازي على سبيل النّقض الاجمالي في مبحث التكليف والبعثة ، وهذا صورة تقريره : ما علم الله عدمه من أفعال العبد ، فهو ممتنع الصدور عن العبد وإلا جاز انقلاب العلم جهلا ، وما علم الله وجوده من أفعاله فهو واجب الصدور عن العبد وإلا جاز ذلك الانقلاب ولا مخرج عنهما لفعل العبد ، وأنه يبطل الاختيار ، إذ لا قدرة على الواجب والممتنع ، فيبطل حينئذ التكليف وأخواته (١) لابتنائها على القدرة والاختيار بالاستقلال ، كما ذكرتم ، فما لزمنا في مسألة خلق الأعمال فقد لزمكم في مسألة علم الله تعالى بالأشياء قال الامام الرّازي ، ولو اجتمع جملة العقلاء لم يقدروا على أن يوردوا على هذا حرفا إلا بالتزام مذهب هشام (٢) وهو أنه تعالى لا يعلم الأشياء قبل وقوعها ، وقال شارح المواقف واعترض عليه ، بأنّ العلم تابع للمعلوم على معنى أنهما يتطابقان والأصل في هذه المطابقة هو المعلوم ألا ترى أن صورة الفرس مثلا على الجدار إنّما كانت على الهيئة المخصوصة ، لأنّ الفرس في حدّ نفسه هكذا ، ولا يتصوّر أن ينعكس الحال بينهما ، فالعلم بانّ زيدا سيقوم غدا مثلا إنّما يتحقق إذا كان هو في نفسه بحيث يقوم فيه دون العكس ، فلا مدخل للعلم في وجوب الفعل وامتناعه وسلب القدرة والاختيار والا لزم أن لا يكون تعالى فاعلا
__________________
(١) المراد بها الأمور التي تعتبر فيها القدرة والاختيار بحكم العقل السليم.
(٢) قال الشهرستاني في كتاب الملل والنحل (ج ١ ص ٩٧ ـ الطبع الجديد بمصر) ما لفظه : الهشامية أصحاب هشام بن عمرو الفوطي ومبالغته في القدر أشد واكثر إلخ ، وحكى عنه مقالات في بابى صفات الباري وما يتعلق بالأخرة ، فظهر أنهم اسرة تبعوا هشاما في هذه المقالات وهو غير هشام بن الحكم وغير هشام البصري وغير هشام الكوفي ، وكثيرا ما يقع الاشتباه في استناد المقالات الى هؤلاء فلا تغفل.