(ومنها) أي من أصناف الغلو المقبول (ما أخرج مخرج الهزل) وهو الكلام الذي لا يراد به إلا المطايبة والضحك (والخلاعة) وهي عدم المبالاة بما يقول القائل لعدم المانع الذي يمنعه من غير الصدق كقوله) :
أسكر بالأمس ان عزمت على الشر |
|
ب غدا أن ذا من العجب |
ففي هذا البيت مبالغة في شغفه بالشرب فأدعى ان شغفة بالشرب وصل الى حد انه يسكر بالامس عند غرمه على الشرب غدا ولا شك أن سكره بالأمس عند عزه على الشرب غدا محال أن أريد بالسكر ما يترتب على الشرب وهو المقصود هنا ولكن لما اتى بالكلام على سبيل الهزل لمجرد تحسين المجالس والتضاحك على سبيل الخلاعة وعدم المبالاة بالتكلم بالقبيح كان ذلك الغلو مقبولا لأن ما يوجب التضاحك من المحال لا يعد صاحبه موصوفا بنقيصة الكذب فالمسوغ في هذا الكذب موجود وأما الكذب بلا مسوغ فهو نقيصة عند جميع العقلاء.
(ومنه أي من المعنوي المذهب الكلامي وهو إيراد حجة للمطلوب) أي على المطلوب (على طريقة أهل الكلام وهو) أي كونها على طريقة أهل الكلام (ان يكون) الحجة والتذكير بأعتبار كون الحجة بمعنى الدليل والبرهان وبعبارة أخرى هو كون الدليل على طريق أهل الكلام بأن يؤتي به على صورة قياس استثنائي أو أقتراني يكون (بعد تسليم المقدمات مستلزمة) عقلا أو عادة (للمطلوب).
هذا ما يقتضيه شرح ظاهر العبارة لكن التحقيق أن المراد بكون الحجة على طريقة أهل الكلام صحة أخذ المقدمات من الكلام المأتي به لأثبات المطلوب على صورة القياس الاقتراني أو الاستثنائي لا وجود تلك الصورة بالفعل بل صحة وجودها من قوة الكلام في الجملة كافية كما يشعر بذلك