للكرم والاحسان على المحتاجين تصير عنده نغمة السائل لحب سؤاله لاعطائه أحلى من نغمات العود وسائر آلات النغم فسرق ابو الطيب هذا المعنى ولكنه قلبه فجعل نغمات السؤال عند الممدوح بحيث تؤثر فيه وتؤذيه كالجرح وهذا نقيض قول ابى تمام بحسب الظاهر والعرف والعلة في كل من البيتين كون الممدوح في غاية الكرم ونهاية حب الانسان واتصاف الممدوح بذلك ظاهر بحيث لا يحتاج الى البيان.
والى ما اوضحنا أشار التفتازاني بقوله (أراد ابو تمام ان الممدوح يستلذ نغمات السائلين لما فيه من غاية الكرم ونهاية الجود.
وأراد ابو الطيب انه سبقت نغمة من سائل عطاء الممدوح بلغ ذلك منه مبلغ الجراحة من المجروح لان عادته ان يعطي بغير سؤال) فقد تناقض الكلامان بحسب الظاهر لان الجراحة نقيض الحلاوة من حيث التأذي والتلذذ وان لم يكن تناقض بحسب الحقيقة وذلك لكون الكلامين موجبتين فلا اختلاف بينهما في الكيف ولكون الموضوع فيهما متغائرين فتأمل جيدا.
(ومنه اى من غير الظاهر ان يؤخذ بعض المعنى) من كلام الشاعر الاول (ويضاف اليه) اى الى ذلك البعض المأخوذ (ما يحسنه) وبعبارة اخرى يأخذ الشاعر الثاني من كلام الشاعر الاول بعض المعنى لا كله لكن لا يقتصر الشاعر الثاني على ذلك البعض المأخوذ من الاول بل يضيف اليه ما يحسنه (كقول الافوه وترى الطير على آثارنا) أى تبصر الطير ورائنا تابعة لنا (رأى عين اى عيانا) وانما أكد ترى بقوله رأى عين لئلا يتوهم ان الطير بحيث ترى لمن أمعن النظر بتكلف (ثقة) مصدر كعدة وهو (حال) من الطير (اى) حالكون تلك الطير (واثقة) بانها ترزق من لحوم من يقتله من الاعداء (بناء على ان المصدر اقيم مقام الصفة) اى مقام اسم الفاعل على ما اشار اليه السيوطى في شرح