بسواد آخر الليل) فكأنه قيل حتى يتبين أي يظهر لكم الخيط الابيض الذي هو الفجر من الخيط الأسود واكتفى ببيان الخيط الأبيض عن بيان الخيط الاسود لأن بيان احدهما بيان للآخر.
قال في الكشاف فأن قلت أهذا من باب الأستعارة ام من باب التشبيه قلت قوله (مِنَ الْفَجْرِ) أخرجه من باب الاستعارة كما ان قولك رأيت اسدا مجاز فاذا زدت من فلان رجع تشبيها فأن قلت فلم زيد من الفجر حتى كان تشبيها وهلا أقتصر به على الاستعارة التي هي ابلغ من التشبيه وأدخل في الفصاحة قلت لأن من شرط المستعار أن يدل عليه الحال أو الكلام ولو لم يذكر من الفجر لم يعلم ان الخيطين مستعاران فزيد من الفجر فكان تشبيها بليغا وخرج من أن يكون استعارة انتهى.
وانما اكتفى ببيان الاول عن الثاني لأن بيان أحدهما كما قلنا بيان للآخر وكان الأكتفاء ببيان الأول أولى لأن المقصود بالتبين والمنوط بتبيينه الحكم من إباحة المباشرة والأكل والشرب ولقلق اللفظ لو صرح به إذ لو يقال حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر من الليل لجاء من الليل فضلة نظرا إلى القرينة أعني من الفجر فناسب حذف البيان الثاني.
وإنما احتاج الخيط الأبيض والأسود الى البيان لما روى في تفسير النشابوري عن عدي بن حاتم قال لما نزلت (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ) عمدت الى عقالين أبيض واسود فجعلتهما تحت وسادتي وجعلت أنظر اليهما من الليل ولا يتبين لي فاذا تبين لي الأبيض من الأسود امسكت فلما أصبحت غدوت الى رسول الله (ص) فأخبرته فضحك فقال انك لعريض القفاء انما ذلك بياض النهار وسواد الليل وكنى رسول الله (ص) بذلك عن بلاهة عدي وقلة فطنته انتهى.