الى آخر الأوصاف وطريق الاداء في الجملة الثانية اعنى قوله (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ) الآية ان حكم على الكفار مع ذكرهم لفظا بالاصرار المذكور فاشعرت هذه الجملة بانها فن آخر من الكلام (وهما) أي الجملة الاولى والثانية (على حد) من التباين والانقطاع (لا مجال فيه) اي في ذلك الحد (للعاطف) الموصل الثانية بالاولى وذلك لما سنذكره الآن من عدم التقابل بينهما فانفصلت الثانية عن الاولى (بخلاف قوله تعالى (إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ) فانه وصلت الثانية اعنى قوله (وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ) بالاولى اعنى قوله (إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ) لما فيهما من التقابل الظاهر في المسند اليه والمسند لان المسند اليه في أحدهما مقابل للمسند اليه في الآخر وكذا المسند.
بخلاف الذين يؤمنون لان المسند اليه فيه بالحقيقة الكتاب لانه بيان لصفات المتقين الذين أنزل الكتاب لهدايتهم وهو أي الكتاب ليس في مقابل الكفار وذلك ظاهر لا غبار عليه.
(ثم قال) صاحب الكشاف (فان قلت هذا) الذي ذكرت في الآيتين المتقدمتين تام (اذا زعمت ان) الجملة الثانية يعنى ((الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ) جار على المتقين) بان تكون صفة وبيانا للمتقين فتكون من أحكام الكتاب فيكون بينها وبين ان الذين كفروا سواء عليهم تباين في الغرض والاسلوب حسبما بين انفا.
(وأما إذا ابتدأته) أي إذا جعلته كلاما مستقلا لا تابعا للمتقين (وبنيت) هذا (الكلام بصفة المومنين) أي المتقين (ثم عقبته بكلام آخر) يعنى ان الذين كفروا سواء عليهم (في صفة أضدادهم كان مثل قوله تعالى (إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ) وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ)