فريق منهم والى اين ترامت به صنعته في ذلك ، فان هذه الأشياء مما تشحذ القريحة وتذكى الفطنة ، واذا كان صاحب هذه الصناعة عارفا بها تصير المعاني ذكرت وتصب في استخراجها ، كالشيء الملقى بين يديه يأخذ منه ما اراد.
وأيضا فانه اذا كان مطلعا على المعاني المسبوق اليها قد ينقدح له من بينها معنى غريب لم يسبق اليه ، ومن المعلوم ان خواطر الناس ـ وان كانت متفاوتة في الجودة والرداءة ـ فان بعضها لا يكون عاليا على بعض او منحطا عنه الا بشيء يسير ، وكثيرا ما تتساوى القرائح والأفكار في الاتيان بالمعانى ، حتى ان بعض الناس قد يأتى بمعنى لموضوع بلفظ ثم يأتى الآخر بعده بذلك المعنى واللفظ بعينهما من غير علم منه بما جاء به الأول ، وهذا الذي يسميه ارباب هذه الصناعة «وقوع الحافر على الحافر» ـ انتهى.
كما قد يسمى ذلك ايضا بتوارد الخواطر ، وسيأتى اجمال ما ذكر في اول الفن الأول ، وهو قوله «بيان ذلك ان واضع هذا الفن مثلا وضع عدة اصول مستنبطة من تراكيب البلغاء» الخ.
(تنبيه) لا يذهب عليك ان الظاهر مما تقدم ان المتكلم اذا لم يكن عن العرب العرباء فالواجب عليه ان يقلدهم ، بأن يتتبع كلامهم ويستقرىء محاوراتهم حتى يحصل له من ادراكها وممارستها قوة بها يتمكن من استحضارها والالتفات اليها وتفصيلها متى اريد ، ولكن الظاهر من المثل السائر خلاف ذلك ، وهذه نصه : هل اخذ علم البيان من ضروب الفصاحة والبلاغة بالاستقراء من اشعار العرب