(و) يظهر من الكلام الآتي من المفتاح ان (المراد ان الكلام المتقدم يشير اشارة ما الى جنس الخبر ، حتى ان النفس اليقظى والفهم المتسارع يكاد يتردد فيه) اى في الخبر (ويطلبه ، لا انه) اى الكلام المتقدم (يشير الى حقيقة الخبر وخصوصيته) وتفصيله ، فلا يجب ان يشير قوله تعالى (وَلا تُخاطِبْنِي) الخ الى حقيقة العذاب وانه الاغراق : والحاصل ان الكلام المتقدم لا يصرح بجنس الخبر.
قال في المفتاح : قد يقيمون من لا يكون سائلا مقام من يسأل ، فلا يميزون في صياغة التركيب للكلام بينهما ، وانما يصبون لهما في قالب واحد اذا كانوا قدموا إليه ما يلوح مثله للنفس اليقظى بحكم ذلك الخبر ، فيتركها مستشرفة له استشراف الطالب المتحير يتميل بين اقدام للتلويح واحجام لعدم التصريح ، فيخرجون الجملة اليه مصدرة بأن ، ويرون سلوك هذا الاسلوب في امثال هذه المقامات من كمال البلاغة واصابة المحز ، او ما ترى بشارا كيف سلكه في رائيته :
بكرا صاحبى قبل الهجير |
|
ان ذاك النجاح في التبكير |
حين استهواه التشبه بأئمة صناعة البلاغة المهتدين بفطرتهم الى تطبيق مفاصلها ، وهم الأعراب الخلص من كل حارش يربوع وضب تلقاه في بلاغته يضع الهناء مواضع النقب ، دون المولدين الذين قصارى امرهم في مضمار البلاغة او ان الاستباق اذا استفرغوا مجهودهم الاقتداء بأولئك ، ومن الشواهد لما نحن فيه شهادة غير مردودة رواية الأصمعى تقبيل حلف الأحمر بين عينى بشار بمحضر ابى عمرو بن العلاء حين استنشداه قصيدته هذه ، على ما روى من ان خلفا قال لبشار بعد ما انشد القصيدة : لو قلت يا ابا معاذ مكان ان ذاك النجاح بكرا فالنجاح في التبكير كان احسن. فقال