قسم من الكذب فلا واسطة.
والحاصل : ان الكذب المطلق على قسمين : احدهما الافتراء وهو الكذب عن عمد وقصد ، وبعبارة اخرى هو الكذب الذى يصدر من ذوى الارادات والشعور ، وثانيهما الكذب لا عن عمد وقصد ، وهو الذى يصدر عن غير ذوى الارادات والشعور. والمقصود من قوله تعالى (أَفْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَمْ بِهِ جِنَّةٌ) حصر خبره «ص» بالحشر والنشر في هذين القسمين من الكذب ، فالمقصود بقوله (أَمْ بِهِ جِنَّةٌ) الكذب لا عن عمد ، وهو قسم من الكذب المطلق ، والمقصود من الافتراء الكذب عن عمد ، لأن القصد كما بينا داخل في مفهومه ، او هو المتبادر من الكذب المنسوب الى ذوى الارادات والشعور ـ فتأمل جيدا.
هذا كله اذا قلنا ان العمد ـ اى القصد والشعور ـ داخل في مفهوم الافتراء ، او هو المتبادر منه حتى يصير اخص من الكذب المطلق وقسما منه ويصير الاخبار حال الجنة قسما آخر منه. (ولو سلم ان الافتراء بمعنى الكذب) المطلق غير مقيد بالعمد والقصد ، ففى المقام لا بد من تقييده بأن يكون عن عمد وقصد ليتم المعادلة بين طرفي ام لانها متصلة بدليل سبق همزة الاستفهام عليها (فالمعنى) حينئذ (اقصد الافتراء ـ اى الكذب ـ ام لم يقصد بل كذب بلا قصد) وشعور (لما به من الجنة) اى الجنون.
(فان قلت : الافتراء هو الكذب مطلقا ، والتقييد) بالعمد والقصد (خلاف الأصل) اذ الأصل في المطلق عدم التقييد (فلا يصار اليه) اى الى التقييد (الا بدليل) يدل على التقييد (فالأولى ان المعنى افتري ام لم يفتر بل به جنون ، وكلام المجنون ليس بخبر لأنه لا