هذه الأمور بحدودها جعل الله معجزة المسيح عليهالسلام من النحو الذي يذعن سليم الطبع من السوريين بحسب معارفهم بأنه من عناية الله الخاصة بالمسيح الخارجة عن حدود القدرة المجعولة للبشر تصديقا لدعوته ، اذن فانظر الى حال العرب الذين ابتدئت بهم الدعوة الاسلامية والى معارفهم وانحصارها في صناعة لسانهم وفنون الفصاحة والبلاغة ، فلا يميزون في غير ذلك ما هو خارج عن حدود القدرة المجعولة للبشر وما هو داخل فيها ، فكل ما يرد عليهم مما هو غريب في معارفهم يجعلونه من السحر او التقدم في المعارف الخالين منها ، فلذا كان انسب شيء في الحجة عليهم ما تميزه معارفهم التي تقدموا فيها في العصر الذي زهت فيه وسما مجدها ورقت صناعتها وعقدوا المحافل والمواسم للمفاخرة بالرقي فيها ، ألا وهو الكلام المعجز بفصاحته وبلاغته ، فانه هو الذي تصل افكارهم وعقولهم الى معرفة كونه معجزا خارجا عن حدود القدرة المجعولة للبشر ، صادرا عن عناية الله الخاصة بصاحب الدعوة المعروف عندهم بالصلاح تصديقا لدعوته.
فالكلام المعجز بفصاحته وبلاغته هو الذي يقوم بهذه الفائدة عند نوع العرب الذين ابتدأت بهم الدعوة دون غيره ، فان النبي (ص) لو جاء العرب بمعجزة موسى او عيسى ونحوهما لقالوا انه من السحر ، او من التقدم والرقي في معارف البلاد الأجنبية ونواميس صنائعها التي يشترك في عملياتها من هذا النحو كل راق فيها ، فالذى يدخل في حكمة المعجز والاعجاز في دعوة العرب ، وتتم به فائدة المعجز على وجهها انما هو القرآن الكريم دون غيره ، مضافا الى انه امتاز عن غيره من المعجزات بأكبر الامور الجوهرية في شئون النبوة والرسالة.
فمنها : انه باق مدى الأيام ممثل لكل من يريد ان يطلع عليه