فلم تجب فناديت : يا بنت محمد المصطفى ، يا بنت أكرم من حملته النسا ، يا بنت خير من وطأ الحصى ، يا بنت من كان من ربه قاب قوسين أو أدنى ، فلم تجب ، فدخلت البيت وكشفت الرداء عنها فإذا بها قد قضت نحبها شهيدة صابرة مظلومة محتسبة ما بين المغرب والعشاء فوقعت عليها أقبلها ، وأقول يا فاطمة إذا قدمت على أبيك صلىاللهعليهوآلهوسلم فأقرئيه مني السلام. فبينا هي كذلك وإذا بالحسن والحسين دخلا الدار وعرفا أنها ميتة فوقع الحسن يقبلها ويقول : يا أماه كلميني قبل أن تفارق روحي بدني ، والحسين يقبل رجلها ويقول يا أماه أنا ابنك الحسين ، كلميني قبل أن ينصدع قلبي فأموت. ثم خرجا إلى المسجد وأعلما أباهما بشهادة أمهما فأقبل أمير المؤمنين إلى المنزل وهو يقول : بمن العزاء يا بنت محمد؟ وقال : (اللهم إنها قد أوحشت فآنسها ، وهجرت فصلها ، وظلمت فاحكم لها يا أحكم الحاكمين).
وخرجت أم كلثوم متجللة برداء وهي تصيح : يا أبتاه يا رسول الله الآن حقا فقدناك فقدا لا لقاء بعده ، وكثر الصراخ في المدينة على ابنة رسول الله ، واجتمع الناس ينتظرون خروج الجنازة ، فخرج إليهم أبو ذر وقال : انصرفوا إن ابنة رسول الله أخر إخراجها هذه العشية.
وأخذ أمير المؤمنين في غسلها ، وعلل ذلك حفيدها الإمام الصادق (ع) يقول : إنها صديقة فلا يغسلها إلا صديق كما أن مريم لم يغسلها إلا عيسى (ع) ، وقال (ع) : إن عليا أفاض عليها من الماء ثلاثا وخمسا وجعل في الخامسة شيئا من الكافور ، وكان يقول : اللهم إنها أمتك وبنت رسولك وخيرتك من خلقك ، اللهم لقنها حجتها ، وأعظم برهانها وأعل درجتها ، وأجمع بينها وبين محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم.
وحنطها من فاضل حنوط رسول الله الذي جاء به جبرائيل إذ أخبرهما