منى عبادة صنم في الجاهلية في وقت ما ، فكيف يرجى مني ذلك في الاسلام ، ولا انتم عابدون في الماصى في وقت ما ، ما انا على عبادته الآن.
ومما يجري هذا المجرى قوله تعالى : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ* الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ* الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ* مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) فكرر الرحمن الرحيم مرتين ، والفائدة في ذلك : ان الأول متعلق بأمر الدنيا ، والثاني يتعلق بأمر الآخرة ، فما يتعلق بأمر الدنيا يرجع الى خلق العالمين في كونه خلق كلا منهم على أكمل صفة ، واعطاه جميع ما يحتاج اليه حتى البقة والذباب ، وقد يرجع الى غير الخلق : كادرار الأرزاق وغيرها ، واما ما يتعلق بأمر الآخرة ، فهو اشارة الى الرحمة الثانية في يوم القيامة الذى هو يوم الدين.
وبالجملة ، فاعلم : انه ليس في القرآن مكرر لا فائدة في تكريره فان رأيت شيئا منه تكرر من حيث الظاهر ، فانعم نظرك فيه فانظر الى سوابقه ولواحقه ، لتنكشف لك الفائدة فيه.
ومما ورد في القرآن الكريم مكررا ، قوله تعالى : (كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ* إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلا تَتَّقُونَ* إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ* فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ* وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ* فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ) ليؤكده عندهم ويقرره في نفوسهم ، مع تعليق كل واحد منها بعلة ، فجعل علة الأول كونه أمينا فيما بينهم. وجعل علة الثاني حسم طمعه عنهم ، وخلوه من الاغراض فيما يدعوهم اليه.
ومن هذا النحو ، قوله تعالى : (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعادٌ*