بواسطة : فقريبة ، والقريبة قسمان : واضحة ، يحصل الانتقال منها بسهولة ، كقولهم ـ كناية عن طول القامة ـ : طويل نجاده ، وطويل النجاد ، او خفية ، يتوقف الانتقال منها على تأمل واعمال روية ، كقولهم ـ كناية عن الابلة ـ عريض القفاء ، فان عرض القفاء ، وعظم الرأس بالافراط ، مما يستدل به على بلاهة الرجل ، وهو ملزوم لها بحسب الاعتقاد ، لكن في الانتقال منه الى البلاهة نوع خفاء لا يطلع عليه كل احد ، وليس ينتقل منه الى امر آخر ، ومن ذلك الى المقصود ، بل انما ينتقل منه الى المقصود لكن في بادىء النظر ، وبهذا تمتاز عن البعيدة ، وان كان الانتقال من الكناية الى المطلوب بواسطة : فبعيدة كقولهم ، كثير الرماد ، كناية عن المضياف ، فانه ينتقل من كثرة الرماد الى كثرة احراق الحطب تحت القدر ، ومنها ، اي : من كثرة الاحراق ، الى كثرة الطبائخ ، ومنها الى كثرة الأكلة : جمع آكل ، ومنها الى كثرة الضيفان ـ بكسر الضاد ـ جمع ضيف ، ومنها الى المقصود وهو المضياف وبحسب قلة الوسائط وكثرتها : تختلف الدلالة على المقصود وضوحا وخفاء ، انتهى باختصار. وانت اذا تأملت فيما نقلناه باختصار ، تعرف ما في كلام بعض المحشين من الاختلال ، حيث حكم بعدم تأثير كثرة الوسائط في التعقيد ، وجعل التأثير كله في خفاء القرائن ، اللهم الا ان يقال : ان التعقيد غير الخفاء والبعد ، فتأمل.
وكذلك حكمه في نحو طويل النجاد ، بوجود الواسطة ، (كقول) الشاعر (الآخر) غير الفرزدق ، (وهو عباس الأحنف) من ندماء هارون الرشيد ، ولم يقل كقوله ، لئلا يتوهم عود الضمير الى الفرزدق : (سأطلب بعد الدار عنكم لتقربوا وتسكب اى : تصب) ، ولفظة تسكب