ومجال المنع في هذا الوجه لا يخفى. لثبوت الاختلاط والعداوة منهم بالنسبة الى كثيرين ، قال عز من قائل : (قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ).
الوجه الثالث ، قالوا : ان اخبار الأنبياء عنهم لا يفيد اثباتهم ، اذ على تقدير ثبوتهم يجوز ان يقال : ان كل ما اتى به الأنبياء ، فانما حصل باعانة الجن ، فمن الجائز ان حنين الجذع ـ مثلا ـ كان بسبب نفوذ الجن ، وكل فرع ادى الى ابطال الأصل : فهو باطل ، والجواب :
ان الدليل الدال على صحة نبوتهم ، يدل على صحة اخبارهم ، ومنها وجود الجن ، والشياطين ، انتهى.
واعلم : ان هذا القسم من التنافر ، يسمى : «بالمعاظلة» قال في ـ المثل السائر ـ : القسم الثاني من المعاظلة اللفظية ، تختص بتكرير الحروف ، وليس ذلك مما يتعلق بتكرير الألفاظ ، ولا بتكرير المعاني وانما هو تكرير حرف واحد او حرفين ، في كل لفظة من ألفاظ الكلام المنثور او المنظوم ، فيثقل ـ حينئذ ـ النطق به ، فمن ذلك قول بعضهم :
وقبر حرب بمكان قفر |
|
وليس قرب قبر حرب قبر |
فهذه القافات والراءات ، كأنها في تتابعها سلسلة ، ولا خفاء بما في ذلك من الثقل ، وكذا ورد قول الحريري في مقاماته :
وازور من كان له زائرا |
|
وعاف عافي العرف عرفانه |
فقوله : «وعاف عافي العرف عرفانه» من التكرير المشار اليه وكذلك ورد قوله ـ ايضا ، في رسالتيه اللتين صاغهما على حرفي السين والشين ـ فانه اتى في احداهما بالسين في كل لفظة من الفاظها ،