ابياتا من لسانهم الى ان قال : واذا كان القوم يعتقدون كلام الجن ومخاطبتهم ، ويحكون عنهم ، وذلك القدر المحكى لا يزيد امره على فصاحة العرب ، صح ما وصف عندهم من عجزهم عنه ، كعجز الانس ويبين ذلك من القرآن ، ان الله تعالى حكى عن الجن ما تفاوضوا فيه من القرآن ، فقال تعالى : (وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ ـ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ) الى آخر ما حكى عنهم فيما يتلوه ، فاذا ثبت انه وصف كلامهم ، ووافق ما يعتقدونه من نقل خطابهم ، صح ان يوصف الشىء المألوف : بأنه ينحط عن درجة القرآن في الفصاحة ، انتهى.
وفي تفسير النيشابوري : ان من الناس من انكر وجود الجن لوجوه :
الاول : لو كان موجودا. فان كان جسما كثيفا ، لوجب ان يراه كل من كان سليم الحس ، لكنا لا نراه وان كان جسما لطيفا ، لوجب ان يتمزق ويتفرق عند هبوب الريح العاصفة ، ولزم ـ ايضا ـ ان لا يقدر على الأعمال الشاقة ، التي ينسبها اليه المثبتون.
والجواب : انه لم لا يجوز ان يكون جوهرا مجردا ، وبتقدير ، ان يكون جسما كثيفا ، فلم لا يجوز ان يصرف الله عنه ابصار الانسان لحكمة في ذلك ـ كما قال عز من قائل : (إِنَّهُ يَراكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ) وعلى تقدير : كونه جسما لطيفا ، فلم لا يجوز ان يكون تركيبه محكما كالأفلاك؟
الوجه الثاني ، قالوا : الظاهر الغالب : انهم لو كانوا في العالم لخالطوا الناس ، وشوهد منهم العداوة والصداقة ، وليس كذلك ، واهل التغريم اذا قابوا من صنعتهم ، يكذبون أنفسهم فيما ينسبون الجن اليهم