المراجعة الى الثقات ، مستغنين عن تدوين الأحكام وترتيبها أبوابا وفصولا ،
وتكثير المسائل فروعا واصولا ، إلى أن ظهر إختلاف الآراء والميل إلى البدع
والأهواء وكثرة الفتاوى والواقعات ، ومست الحاجة فيها إلى زيادة نظر وإلتفات ،
فأخذ أرباب النظر والاستدلال في إستنباط الأحكام ، وبذلوا جهدهم في تحقيق عقائد
الاسلام ، وأقبلوا على تمهيد اصولها وقوانينها وتلخيص حججها وبراهينها وتدوين
المسائل بادلتها وايراد الشبه باجوبتها ، وسموا العلم بها فقها ، وخصوا
الاعتقاديات باسم الفقه الأكبر ، والأكثرون خصوا العمليات باسم الفقه ،
والاعتقاديات بعلم التوحيد والصفات تسمية بأشهر أجزائه وأشرفها ، وبعلم الكلام لأن
مباحثه كانت مصدرة بقولهم : «الكلام في كذا وكذا» ، ولأن أشهر الاختلافات فيه كانت
في مسألة كلام الله تعالى انه قديم أو حادث ، ولانه يورث قدرة على الكلام في تحقيق
الشرعيات كالمنطق في الفلسفيات ، ولأنه كثر فيه الكلام مع المخالفين والرد عليهم
ما لم يكثر في غيره ، ولأنه بقوة أدلته صار كأنه هو الكلام دون ما عداه كما يقال
للأقوى من الكلامين : هذا هو الكلام. واعتبروا في ادلتها اليقين لانه لا عبرة بالظن
في الاعتقاديات ، بل في العمليات.
وقال في شرح
العقائد النسفية : والمعتزلة اول فرقة أسسوا قواعد الخلاف لما ورد به ظاهر السنة
وجرى عليه جماعة من الصحابة في باب العقائد ، وذلك لأن رئيسهم واصل ابن عطا إعتزل
عن مجلس الحسن البصري يقرر ان مرتكب الكبيرة ليس بمؤمن ولا كافر ، ويثبت المنزلة
بين المنزلتين. فقال الحسن : قد إعتزل عنا ، فسموا المعتزلة ، وهم سموا أنفسهم
أصحاب للعدل والتوحيد لقولهم بوجوب ثواب المطيع وعقاب العاصي على الله تعالى ونفي