٨ ـ الترجى ، وهو : انتظار حصول شىء مرغوب فيه ، ميسور التحقق. ولا يكون إلا فى الأمر الممكن ، ومثله التوقع (١). والكوفيون هم الذى يعتبرون الفاء بعده للسببية ، والشواهد ـ ومنها القرآن ـ تؤيدهم (٢). نحو : لعلك تحسن اختيار الكلام ، فتفوز بإعجاب السامعين ، ولعل إعجابهم يبرأ من التزيد والتّحيّف ؛ فتدرك مبلغ توفيقك ، وحقيقة أمرك ...
تلك هى أنواع الطلب بنوعيه ؛ المحض وغير المحض. وقد عرفنا (٣) أن المحض منها ثلاثة ، وأنها سميت محضة لدلالة صيغها اللفظية ـ نصّا وأصالة ـ على الطلب الصريح مباشرة ؛ لا عن طريق تبعىّ أو ضمنىّ ، غير مباشر ؛ كدلالة انتمنى على الطلب ، فإن الطلب معه يجىء من طريق تبعىّ ؛ أى : من طريق غير مباشر ، إذ يلزم من تمنّى الشىء طلب مجيئه ... وكذلك العرض والحض وغيرهما من بقية أنواع غير المحض ؛ فإنها تدل على الطلب من ذلك الطريق الضمنى ، غير المباشر ، بخلاف الثلاثة المحضة : (الأمر ، والنهى ، والدعاء) فإن صيغها صريحة فيه ؛ كما أسلفنا (٤) ...
__________________
(١) سبق الكلام على الترجى والتوقع والإشفاق ، ومعنى كل ، فى الجزء الأول ص ٤٧٣ م ٥١.
(٢) ومنها قوله تعالى : (لَعَلَّهُ يَزَّكَّى ، أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرى ..) بنصب «تنفع» ومنه قوله تعالى : (يا هامانُ ابْنِ لِي صَرْحاً. لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبابَ ، أَسْبابَ السَّماواتِ فَأَطَّلِعَ إِلى إِلهِ مُوسى) بنصب : «أطلع» ولا داعى للتأول فى الآيتين ـ وأشباههما ـ بقصد إبعاد الفاء عن السببية.
(٣) فى ص ٣٤٤.
(٤) وفى الكلام على «فاء السببية» يكتفى ابن مالك ببيت واحد هو :
وبعد «فا» جواب نفى أو طلب |
|
محضين «أن» وسترها حتم نصب |
وتقدير البيت : و «أن» ، نصب بعد «فا» جواب نفى أو طلب محضين. وسترها حتم. (ويلاحظ أنه ـ كعادته ـ استعمل «أن» بمعنى «الحرف» أولا ، ثم عاد فاستعملها بمعنى الكلمة ، وأعاد الضمير عليها فى الأولى مذكرا ، وفى الثانية مؤنثا. والأمران صحيحان ـ انظر هامش صفحتى ٢٦٥ و ٢٧٢ ـ. والمعنى : «أن» مستترة (مقدرة) حتما بعد فاء السببية التى فى صدر كلام يقع جوابا لنفى محض ، أو طلب محض. وفى هذا الكلام نقص واضح ؛ إذ لم يتعرض لأنواع النفى ، وأحكامها ، وشبه النفى. واقتصر فى الطلب على المحض من غير تفصيل ولا إبانة ، ثم عرض أبياتا تتعلق بحرف آخر غير فاء السببية ؛ هو : «واو المعية» ثم رجع للكلام على فاء السببية بعد الرجاء فقال البيت السابع عشر :
والفعل بعد «الفاء» فى الرّجا نصب |
|
كنصب ما إلى التّمنّى ينتسب ـ ١٧ |
يريد : أن المضارع بعد فاء السببية الواقعة فى جواب الرجاء ـ ينصب بأن مضمرة وجوبا ؛ كنصب ـ