الفعل بصيغة الماضى ، ولكنه يعاد ذكره بصيغة المضارع بقصد حكاية الحال (١) الماضية التى ترشد إليها القرينة ـ بالطريقة التى شرحناها (٢) ...
وفى هذه الصورة التى يكون فيها زمن المضارع حالا ماضية ولكنها مؤولة ـ يجب رفعه وتكون «حتى» ابتدائية ؛ كما وجب رفعه فى الزمن الحالى حقيقة وكانت فيه «حتى» ابتدائية أيضا. ومن أمثلة الحال الماضية المؤولة أن يقول أحدنا اليوم (هذا زهير الشاعر الجاهلى ، يراجع قصيدته حتى تجود بعد حول فى مراجعتها ؛ فيذيعها ، ولذا تسمى قصائده : «الحوليات» ...) فمعنى المضارع ـ وهو الجودة بعد الحول ـ أمر فات حقّا قبل النطق بكلمة : «حتى» وبجملتها. كفوات المراجعة. وزمن الأمرين فى حقيقته ماض ، ولكن التحدث عنهما بصورة المضارع ـ قصد به حكاية ما مضى ، وإرجاع ما فات ، على تخيل أنه يقع الآن ـ فى وقت الكلام ـ أو على تخيل أن المتكلم قد ترك زمانه الذى يعيش فيه ، ورجع إلى الزمن السالف الذى يتحقق فيه المعنى أمامه ، وكأنه من أهل ذلك العصر القديم. ووجود الرفع هنا يعتبر الدليل على الحكاية (٣) ، وعلى ما يترتب عليها من أثر معنوى.
ويسمى هذا الاتجاه : «حكاية الحال الماضية» ، أى : إعادة حالة سبقت وحادثة وقعت ، وترديد قصتها وقت الكلام ، وكأنها تحصل أول مرة ساعة النطق بها ، مع أنها ـ فى حقيقة الأمر ـ قد حصلت من قبل ، وانتهى أمرها قبل ترديدها. وهذه هى الصورة الغالبة فى الحكاية.
والغرض من «حكاية الحال الماضية» هو الإشعار بأهمية القصة ، وبصحة ما تضمنته من معنى قبل «حتى» وبعدها ؛ لادّعاء أنها تقع الآن ـ فى وقت الكلام ـ وأن ما بعد «حتى» مسبب عما قبلها ، وغاية له ، فيثور الشوق إلى سماعها ويمتزج السامع بجوها.
__________________
(١) أى : الحالة ، أو : الحادثة.
(٢) فى هامش ص ٣١٤. وهناك ـ وكذا فى ص ٣٢٧ ـ العلامة التى تدل على أن الماضى محكى الدلالة الزمنية.
(٣) فى هامش الصفحة التالية ما يزيد «حكاية الحال الماضية» وضوحا. أما أثرها المعنوى الذى ذكرناه فيزداد بيانا بما فى هامش ص ٣٢٦.