ما أفضل الأعمال الحرة للشباب؟ قالوا : أفضلها الزراعة ، أو التجارة ، أو الصيدلة ، فالجملة الفعلية : (قالوا) جملة خبرية ، مكونة من الفعل : «قال» الدال على القول ، من غير تفصيل للكلام الذى قيل ، ومن الضمير : (واو الجماعة) العائد على الطوائف المعدودة بالثلاث (١) ، وهو ضمير مجمل يدل على مرجعه دلالة خالية من التفصيل. وبسبب الإجمال فى دلالة الفعل وفى الضمير جاء بعدهما التفصيل الذى يعدّد طوائفهم ، وأنهم زراعيون. وتجاريون ، وصيادلة ، كما يبين كلام كل طائفة ؛ أى : قال الزراعيون : أفضلها الزراعة ، وقال التجاريون : أفضلها التجارة ، وقال الصيادلة ؛ أفضلها الصيدلة.
ومن هذه المعانى أيضا : الإضراب (٢) ، ومن أمثلته : أن يتهيأ المرء للخروج ، وتبدو عليه أماراته ، ثم يعدل عنه ، قائلا : (أنا أخرج. أو أقيم). فينطق بالجملة الأولى ، ولا يلبث أن يغيّر رأيه ، وينصرف عما قرره ، فيسارع إلى إردافها بقوله : أو : «أقيم» ويجلس جلسة المقيم ، فيكون جلوسه قرينة على أن معنى «أو» هو : الإضراب. فكأنه قال : (أخرج ، لا ، بل أقيم). ومثله قول القائل : (أقيم فى البيت ، أو أخرج ؛ فإن ورائى عملا لا مناص من إنجازه الآن فى الخارج). فقد أخبر بالإقامة فى البيت ، ثم بدا له أن ينصرف عن هذا الرأى ويخرج ، فكأنه قال : «لا. بل أخرج الآن» ومثل قول الشاعر يتغزل :
بدت مثل قرن الشمس فى رونق الضحا |
|
وصورتها. أو أنت فى العين أملح |
يريد : بل أنت أملح.
ويحسن فى الأسلوب المشتمل على : «أو» التى تفيد الإضراب أن يحتوى أمرين معا ؛ أولهما : أن يسبقها نفى أو نهى (٣). وثانيهما : تكرار العامل ، نحو :
__________________
(١) يعود على الطوائف باعتبار المعنى ، إذ المراد من الطوائف هنا : أفرادها من الرجال.
(٢) سبق شرحه فى رقم ١ من هامش ص ٥٩٧.
(٣) ويترتب على هذا ما يأتى فى : «ا» من الزيادة والتفصيل ص ٦١١. ويرى بعض النحاة أن وجود النفى أو النهى قبلها شرط أساسى فى إفادتها الإضراب. ويرى آخرون أنه ليس بشرط. ومن هؤلاء : الفراء ، مؤيدا رأيه بقوله تعالى : (وَأَرْسَلْناهُ إِلى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ.) أى : بل يزيدون ، لأن «أو» هنا للإضراب ، فلا تصلح لمعنى آخر كالشك. لأن الشك ونحوه محال على الله ، والحق : أن تقدم النفى والنهى مستحسن فقط.