الحكماء المبرّزين الذين وصلوا إلى غايات المراتب ونهايات المطالب ولم يبلغ مرتبة أقلّهم ، ثمّ يرجع وينصر مذهب أبى الحسن الأشعري الّذي لا يعرف أىّ طرفيا أطول؟ (١) لأنّه كان خاليا عن الحكمتين (٢) البحثيّة والذوقيّة لا يعرف أن يرتّب حدّا ولا أن يقيم برهانا ، بل هو شيخ مسكين متحيّر في مذاهبه الجاهليّة التي يخبط فيها خبط عشواء «انتهى».
__________________
(١) هذا مثل قبيح يضرب في حق من لا يميز بين الزين والشين ، وقد سبق شرح المراد منه بمدلوليه المطابقي والالتزامي.
(٢) المراد بهما الحكمة المشائية والاشراقية وليعلم انه اختلفت طرق الحكماء ، فمنهم من رام ادراك المطالب بالبحث والنظر ، وهم الباحثون والمشائيون والاستدلاليون ، وقدوتهم أرسطو ، وذهب الى ان هذا الطريق أنفع للتعلم واوفى بجملة المطالب.
ومنهم من سلك طريق تصفية النفس بالرياضة حتى وصلوا الى امور ذوقية ادعوها بالكشف والعيان بحيث تجل عن ان توصف باللسان.
ومنهم من ابتدأ بالبحث والنظر وانتهى الى التجريد وتصفية النفس فجمع بين الفضيلتين وينسب هذا الى سقراط والسهروردي والبيهقي.
ثم اعلم ان من النظر رتبة تناظر طريق التصفية ويقرب حدها من حدها وهو طريق الذوق ويسمونه الحكمة الذوقية.
وممن يعد قدوة في هذا الشان الشيخ السهروردي ، وكتابه حكمة الاشراق يحكى عن هذا المعنى ، وكذا الفنارى الرومي ، والشيخ صدر الدين القونوى ، والمولى جلال الدين الدواني وغيرهم.
ثم ان علم الحكمة عرف بتعاريف ، فمنها انه العلم بأحوال اعيان الموجودات على ما هي عليه في نفس الأمر بقدر الطاقة البشرية ومنها انه علم يبحث فيه عن حقائق الأشياء