تارة بالنّور ، وآخر فاعل الشّر وهو ، أهرمن (١) ، المعبّر عنه تارة بالظلمة ، وأهل العدل لا يقولون إلّا بأصل واحد هو الله سبحانه ، وقدرة العبد ليست أصلا بل فرعا لقدرة الله تعالى ، مع أنّ قدرة العبد ليست فاعلة للشرور فقط بل لكل من الخير والشّر الصّادر عنه ، فلا مناسبة بين القولين عند التّحقيق ، وإنما يظهر حقيقة المناسبة بين قول المجوس وقول المجبّرة ، وذلك من وجوه ، منها أنّ المجوس قائلون بأصلين : أحدهما فاعل الخير والآخر فاعل الشرّ كما مرّ ، وليس للعباد عندهم فعل أصلا كما عند الأشاعرة ، فهم أحقّ بمشابهة المجوس ، ومنها أنّ المجوس اختصّوا بمقالات سخيفة واعتقادات واهية (٢) معلومة البطلان وكذلك المجبّرة النّاصبة ، ومنها أنّ مذهب المجوس أنّ الله تعالى يفعل فعلا ثمّ يتبرّأ منه كما خلق إبليس ثمّ تبرّأ منه وتنفّر عنه ، وكذلك المجبّرة قالوا : إنه تعالى يفعل القبائح ثمّ يتبرّأ منها ، ومنها أنّ المجوس يقولون : (٣) إنّ نكاح الأخوات والأمهات بقضاء الله وقدره وإرادته ووافقهم
__________________
(١) قال المتأله السبزواري في منظومته : والشر اعدام فكم قد ضل من يقول باليزدان ثم الاهرمن. وقد مر تفصيل مقالة المجوس وما يتعلق بهم وسرد اسماء بعض كتبهم الدينية.
(٢) وقد مر تفصيل ذلك في التعاليق السابقة ونقلنا هناك عن كتبهم الدينية وعن غيرها ما يزيح العلة فراجع
(٣) نص على ذلك نوفل افندى في كتابه (سوسنة سليمان ص ٦ ط بيروت) وقال ما لفظه ومنها اجازته اى زعيم المجوس للإنسان ان يتزوج ببنته وأخته او امه ، وان الذي يتزوج بامه تكون أولاده اقدس من غيرهم ، ولكن لما أخذ إسكندر المقدوني سلطة فارس أبطل هذه العادة الوحشية «انتهى».
وقال ابن النديم في الفهرست (ص ٤٧٩ ط مصر) ما لفظه : ولهم مشاركة في الأهل والحرم ، لا يمتنع الواحد منهم من حرمة الآخر ولا يمنعه «انتهى».