بالعقل لا بالضّرورة ولا بالنّظر ، لكن إذا ورد الشّرع به علم أنّ ثمّة جهة محسّنة كما في صوم آخر يوم من رمضان حيث أوجبه الشّارع ، أو جهة مقبّحة كصوم أوّل يوم من شوّال حيث حرّمه الشّارع ، فإدراك الحسن والقبح في هذا القسم موقوف على كشف الشّرع عنهما بأمره ونهيه ، وأمّا كشفه عنهما في القسمين الأوّلين فهو مؤيّد بحكم العقل بهما إمّا بضرورته أو بنظره. ثمّ إنّهم اختلفوا. فذهب الأوائل منهم إلى أنّ حسن الأفعال وقبحها لذواتها لا لصفة فيها تقتضيهما ، وذهب بعض من بعدهم من المتقدّمين إلى إثبات صفة حقيقيّة توجب ذلك مطلقا أى في الحسن والقبيح جميعا ، فقالوا : ليس حسن الفعل وقبحه لذاته كما ذهب إليه من تقدّمنا من أصحابنا ، بل لما فيه من صفة موجبة لأحدهما.
وذهب أبو الحسين من متأخّريهم إلى إثبات صفة في القبيح دون الحسن ، إذ لا حاجة إلى صفة محسّنة له ، بل يكفيه لحسنه انتفاء الصّفة المقبّحة وذهب الجبائي إلى نفى الوصف الحقيقي فيهما مطلقا ، فقال : ليس حسن الأفعال وقبحها لصفات حقيقيّة فيها ، بل لوجوه اعتبارية (١) وأوصاف إضافيّة تختلف بحسب الإعتبار كما في لطمة اليتيم تأديبا وظلما «انتهى كلامه».
والحاصل أن اعتراف الأشاعرة باشتمال الفعل على ما يجده العقل قبل الشرع من صفة الكمال والنّقص والمصلحة والمفسدة الصّالحتين لمنشأيّة الأمر والنهى كما وقع عن صاحب المواقف ، وقلّده فيه النّاصب هاهنا ينافي حكمهم بأنّ
__________________
هي ما اشتمل عليه الفعل من اللطف المانع من الفحشاء والداعي الى الطاعة لكن العقل لا يستقل بمعرفته انتهى. منه «قده»
(١) واليه ذهب أكثر أصحابنا الامامية ، سيما المتأخرين منهم حيث صرحوا بكون الحسن والقبح دائرين مدار الوجوه والاعتبارات. وقد مر بيان ذلك في التعاليق السالفة مفصلا فليراجع.