حسنة في أنفسها ، ولو نهى الله تعالى عنها كانت قبيحة ، لكن لمّا اتّفق أنّه تعالى أمر بهذه مجّانا لغير غرض ولا حكمة صارت حسنة بذلك ، واتّفق أنّه نهى عن تلك فصارت قبيحة ، وقبل الأمر والنهى لا فرق بينهما ، ومن أداه عقله إلى تقليد من يعتقد ذلك فهو أجهل الجهّال وأحمق الحمقاء إذا علم أنّ معتقد رئيسه ذلك ، وإن لم يعلم ووقف عليه ثم استمر على تقليده فكذلك ، فلهذا وجب علينا كشف معتقدهم لئلا يضلّ غيرهم ولا تستوعب البليّة جميع النّاس أو أكثرهم (انتهى)
قال النّاصب خفضه الله
أقول : جوابه أنّه لا يلزم من كون الحسن والقبح شرعيّين بمعنى أنّ الشّرع حاكم بالحسن والقبح أن يحسن من الله الأمر بالكفر والمعاصي ، لأن المراد بهذا الحسن إن كان استحسان هذه الأشياء فعدم هذه الملازمة ظاهر ، لأن من الأشياء ما يكون مخالفا للمصلحة لا يستحسنه الحكيم ، وقد ذكرنا أنّ المصلحة والمفسدة حاصلتان للأفعال بحسب ذواتها ، وإن كان المراد بهذا الحسن عدم الامتناع عليه فقد ذكرنا أنّه لا يمتنع عليه شيء عقلا ، لكن جرت عادة الله تعالى على الأمر بما اشتمل على مصلحة من الأفعال ، والنّهى عن ما اشتمل على مفسدة من الأفعال ، فالعلم العادي حاكم بأنّ الله تعالى لم يأمر بالكفر وتكذيب الأنبياء قطّ ، ولم ينه عن شكر المنعم وردّ الوديعة ، فحصل الفرق (١) بين هذا الأمر والنّهى بجريان عادة الله الذي يجري مجرى المحال العادي ، فلا يلزم شيء ممّا ذكره هذا الرّجل وقد زعم أنّه فلق (٢) الشّعر في تدقيق هذا السّؤال الظاهر دفعه عند أهل الحقّ
__________________
(١) والظاهر أنه أريد من هذه العبارة : أن الفرق بين الأمر بالكفر والنهى عن شكر المنعم وبين غيرهما من الأوامر والنواهي بعدم جريان عادة الله على هذا الأمر والنهى بخلاف غيرهما من الأوامر والنواهي فيصير هذا الأمر والنهى بمنزلة المحالات العادية وجارية مجراها.
(٢) اى شق ومنه قوله تعالى في سورة الانعام الآية ٩٥.