سبق هو ما قال في الأمر والنّهى وأنّ الأشاعرة يقولون بدوامهما ، فالجواب أنّهم لما قالوا بالكلام النّفساني وأنّه صفة لذات الله تعالى فيلزم أن تكون هذه الصّفة أزليّة وأبدية ، والكلام لمّا اشتمل على الأمر والنّهى يكون الأمر والنّهى في الكلام النّفساني أزلا وأبدا ، ولكن لا يلزم أن يكون آمرا وناهيا بالفعل قبل وجود الخطاب والمخاطبين حتّى يلزم السّفه كما سبق ، بل الكلام بحيث لو تعلّق بالخطاب عند التلفظ به يكون المتكلّم به آمرا وناهيا ، وهذا فرع لإثبات الكلام النّفساني فأيّ غرابة في هذا الكلام؟ «انتهى».
أقول : قد سبق دفع أجوبة النّاصب على وجه لا مزيد عليه ، وبحيث لا يتطرق الرّيب إليه ، وأما ما ذكره هاهنا من الجواب وزعم أنّ كلام المصنّف في قوله : وأنّه تعالى لم يزل آمرا وناهيا مبنيّ على ما ذكره الأشاعرة في الكلام النّفساني فباطل ، بل مبنيّ على ما ذكروه في اصول الفقه (١) من جواز الأمر بالمعدوم وعلى تقدير البناء على ما ذكروه في الكلام فنقول : إنّ كلامهم صريح في أنّ الأمر والنّهى (٢) والآمر والنّاهي موجود في الأزل بالفعل ، لكن تعلّق الأمر والنّهى بالمأمور ، والمنهيّ إنما هو عند وجودهما وأهليّتهما للتكليف ، ولو لا ادعاءهم ذلك لما احتاجوا إلى إثبات الكلام النّفساني ، والحكم بثبوته في الأزل ، وكونه مسموعا
__________________
(١) في باب العام والخاص في مسألة شمول الخطابات الشفاهية للمعدومين والغائبين ، وقد حقق المتأخرون من أصحابنا بما لا مزيد عليه امتناع مشافهة المعدوم وخطابه ، فكيف بتكليفه؟ نعم التزموا بصحة الإنشاء في حق المعدوم بداعي التحسر والتحزن والشوق ونحوها ، والإنشاء خفيف المئونة كما لا يخفى ،
(٢) اى المتصف بوصف الأمر والنهى ووصف كونه ناهيا وإلا فذات الله تعالى بدون هذا الوصف موجود في الأزل منه «قده».