والباقلاني ومن وافقهما أنّهم قالوا : لم يقم دليل من الكتاب والسّنة على جواز الرّضا بكلّ قضاء فضلا عن وجوبه واستحبابه ، فأين أمر الله عباده أو رسوله أن يرضوا بكلّ ما قضاه وقدّره؟ وأمّا ما يروى من الأثر : من لم يصبر على بلائي ولم يرض بقضائي فليتخذ ربا سوائي (١) فقد قال ابن القيم ، إنّه أثر إسرائيلي ليس يصح عن نبيّنا ، وأيضا فقد ذهب بعضهم إلى أنّه من جملة الأحوال التي ليست بمكتسبة وأنّه موهبة محضة ، فكيف يؤمن به وليس مقدورا؟ ولو سلّم بناء على عدم ملائمته ظاهرا لمدح الله تعالى على أهله والثّناء عليهم ، فنقول ، عدم اتّحاد الرّضا والإرادة ينافي قول الأشعريّ وقدماء أصحابه على ما نقله ابن القيم وابن همام (٢) في المسايرة حيث قال : إنّ هؤلاء يقولون : إنّ كلّ ما شاءه وقضاه فقد أحبّه ورضيه ، وبالجملة لا معنى لإرادة الله تعالى أمرا لا يرضاه ولا يحبّه وكيف لا (خ ل يشاء ويكرهه) يشاء ويكونه؟ وكيف يجتمع إرادته له وبغضه وكراهته؟ كما هو حاصل كلام القوم ،
__________________
(١) رواه في الجواهر السنية في الباب السابع فيما ورد في شأن موسى عليهالسلام (ص ٦٦ ط بمبئي) وذكره ابن قيم في شأن يعقوب عليهالسلام. ورواه في كنز العمال (ج ١ ص ٩٣ ط حيدرآباد) وفي الاتحافات السنية (ص ٣ ط حيدرآباد) الا انه زاد في الجواهر فقرة : ولم يشكر نعمائي.
(٢) قال ابن همام وقال امام الحرمين : ان من حقق لم يكع عن القول بان المعاصي لمحبته ونقله بعضهم عن الأشعري لتقاربها لغة ، فان من أراد شيئا أو شاء فقد رضيه وأحبه انتهى. منه «قده».
أقول ابن همام هو الشيخ كمال الدين محمد بن عبد الواحد الإسكندري الحنفي المتوفى سنة ٨٦١ له تصانيف منها كتاب التحرير في اصول الفقه ، والمسايرة في الكلام ، وفتح القدير في الفقه الحنفي.