يحكم فيه بضلالة كثير ، وعلى ما ذهب إليه النّاصبة يجوز أن يجعل الله هذا القرآن إضلالا لخلقه وأنّ الحقّ في خلاف ما جاء به تعالى عمّا يقول الكافرون علوا كبيرا. وسادسها أن يكون من ضلّ المتعدية وترد الهمزة للتّعدية إلى مفعول ثان وتصير متعدّية إلى اثنين نحو أضلّه الطريق ، ومنه قوله تعالى : (فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا) (١) وقوله تعالى : (لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ) (٢) بالضّم و (إِنْ كادَ لَيُضِلُّنا عَنْ آلِهَتِنا) (٣) ونحو ذلك ، وهذا هو الإضلال بمعنى الإغواء (٤) وهو محلّ الخلاف بيننا وبين النّاصب وأصحابه ، وليس في القرآن ولا في السّنة شيء يضاف إلى الله تعالى بهذا المعنى ، فلا يكون لهم في ذلك شبهة قطّ كما عرفت. واعلم أنّ قول النّاصبة : إنّ الله تعالى هو المغوي عن الدّين ، المضلّ عن الرّشد ، المانع عن سواء السّبيل وإنّ كلّ
__________________
عندها سميت هداية فالمعنى ان الله تعالى يمتحن بهذه الأمثال عباده فيضل بها قوم كثير من تفسير الطبري. منه «قده».
(١) الأحزاب. الآية ٦٧.
(٢) الزمر. الآية ٨.
(٣) الفرقان. الآية ٤٢.
(٤) لأنه هو المعنى الأصلي في اللغة كما اعترف به فخر الدين الرازي في تفسيره لكنه أنكر كون النزاع في هذا المعنى لتنبهه على قبحه فقال : ان الامة مجمعة على ان الإضلال بهذا المعنى لا يجوز على الله تعالى لأنه ما دعى الى الكفر وما رغب فيه بل نهى عنه فافتقروا الى التأويل فحملوا أهل الجبر على انه تعالى خالق الضلال والكفر فيهم وسدهم عن الايمان وحال بينه وبينهم. «انتهى» وفيه ان المعنى الأصلي هو الدعوة ، والإغواء بمنزلة المعد أو العلة البعيدة ونحوهما ، وخلق الضلال بمنزلة العلة القريبة بل العلة التامة ، فالفرار عن الاول الى الثاني فرار من المطر الى الميزاب كما لا يخفى على اولى الألباب. منه «قده».