على ترك ما لم يعطهم القدرة على فعله ، وجوّزوا أن يكلّف الله تعالى مقطوع اليد الكتابة ، ومن لا مال له الزّكاة ، ومن لا يقدر على المشي للزّمانة ، (١) الطيران إلى السّماء ، وأن يخلق العاطل الزّمن المفلوج الأجسام ، وأن يجعل القديم محدثا ، والمحدث قديما وجوّزوا أن يرسل رسولا إلى عباده بالمعجزات ليأمرهم بأن يجعلوا الجسم الأسود أبيض دفعة واحدة ، ويأمرهم بالكتابة الحسنة ، ولا يخلق لهم الأيدي والآلات ، وأن يكتبوا في الهوا بغير دوات ولا مداد ولا قلم ولا يد ما يقرؤه كلّ أحد ، وقالت الإمامية : ربنا أعدل وأحكم من ذلك.
قال النّاصب خفضه الله
أقول : تكليف ما لا يطاق جائز عند الأشاعرة ، لأنّه لا يجب على الله شيء ولا يقبح منه فعل ، إذ يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد ، ومنعه المعتزلة لقبحه عقلا والحال أنهم لا بدّ أن يقولوا به ، فانّ الله تعالى أخبر بعدم ايمان أبي لهب وكلّفه الايمان ، فهذا تكليف ما لا يطاق ، لأنّ ايمانه محال وفوق طاقته ، لأنّه إن آمن لزم الكذب في خبر الله تعالى وهو محال اتّفاقا ، وهذا شيء يلزم المعتزلة القول بتكليف ما لا يطاق ، ثمّ إنّ ما لا يطاق على مراتب أوسطها ما لا يتعلّق به القدرة الحادثة عادة سواء امتنع تعلّقها به لا لنفس مفهومه لخلق الأجسام ، أم لا ، بأن يكون من جنس ما يتعلق به كحمل الجبل والطيران إلى السماء ، والأمثلة التي ذكرها الرّجل الطاماتي ، فهذا يجوّزه الأشاعرة وإن لم يقع بالاستقراء ، ولقوله تعالى : (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) (٢) ، وقد عرفناك معنى هذا التّجويز فيما سبق «انتهى»
أقول : قد مرّ أن الوجوب الذي ذهب إليه الإماميّة والمعتزلة إنّما
__________________
(١) الزمانة بفتح الزاء المعجمة : العاهة ، عدم بعض الأعضاء ، تعطيل القوى ، ولعل الكلمة معربة أو دخيلة.
(٢) البقرة. الآية ٢٨٦.