وأورد عليه سيّد المحقّقين في شرح المواقف (١) : بأنّ ما يجده أحدنا في باطنه هو العزم على الطلب وتخيّله ، وهو ممكن وليس بسفه ، أمّا نفس الطلب فلا شكّ في كونه سفها ، بل قيل غير ممكن ، لأنّ وجود الطلب بدون من يطلب منه محال ، وأما ما ذكره في دفع لزوم الكذب عن مثل قوله تعالى : (إِنَّا أَرْسَلْنا نُوحاً) (٢) «فمدخول» بأنّ مقتضى الكلام النّفساني في ذلك علمه تعالى وإخباره بانّه سيرسل نوحا ، والمقول بعد ذلك هو أنّه أرسله ، والخبر والعلم بأنّ الشيء سيوجد يمتنع أن يكون العلم بأنّه يوجد أو وجد ، فلا يصحّ قوله : المزوّرة المقولة بعد هذا ، لدلالته على أنّ أحدهما هو الآخر ، على أنّه يلزم من ذلك التغير في علمه تعالى ، وبطلانه ظاهر ، وبما قرّرناه يندفع باقي كلمات النّاصب كما لا يخفى على المتأمّل.
قال المصنّف رفع الله درجته
المطلب الرابع في استلزام الأمر والنّهي الإرادة والكراهة (الكراهية خ ل) كلّ عاقل يريد من غيره شيئا على سبيل الجزم فانّه يأمره به ، وإذا كره الفعل فانّه ينهى عنه ، وإنّ الأمر والنّهى دليلان على الإرادة والكراهة (الكراهية خ ل) ، وخالفت الأشاعرة جميع العقلاء في ذلك ، وقالوا : إنّ الله تعالى يأمر دائما بما لا يريده بل بما يكرهه وإنّه ينهى عمّا لا يكرهه ، بل عمّا يريده ، وكلّ عاقل ينسب من يفعل. هذا إلى السّفه والجهل تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
قال النّاصب خفضه الله
أقول : مذهب الأشاعرة أنّ الله تعالى مريد لجميع الكائنات غير مريد لما لا يكون ، فكلّ كائن مراد له ، وما ليس بكائن ليس بمراد له ، ومذهب المعتزلة و
__________________
(١) المراد به المحقق الشريف الجرجاني.
(٢) نوح. الآية ١.