أقول : غرض المصنّف قدسسره أنّ الكلام الذي فهمه وقرّره السّلف والخلف من أهل السّمع والعقل ليس إلا ما حكموا بحدوثه ، فمن أين جاء هذا الكلام النّفسي القديم؟ ، وحاصله أنّ إثبات الكلام النّفساني مع كونه غير معقول مخالف للإجماع ، ويؤيّده ما نقل السيّد معين الدّين الإيجي الشّافعي في بعض رسائله عن بعض العلماء انّه قال : ما تلفّظ بالكلام النّفسي أحد إلا في أثناء المائة الثالثة ، (١) ولم يكن قبل ذلك في لسان أحد «انتهى» ولا ريب أنّ هذا إيراد وارد على الأشاعرة ، وأما الجواب الذي ذكره من أنّ السّفه (٢) إنما هو في اللّفظ دون الكلام النّفسي ، فهو مأخوذ من قواعد العقائد للغزالي والمواقف للقاضي عضد ، وحاصل ما قيل إنّه ليس من شرط الأمر أن يكون المأمور موجودا ، ولكن يجوز أن يقوم الطلب بذاته قبل وجود المأمور ، فإذا وجد المأمور كان مأمورا بذلك الطلب بعينه من غير تجدّد طلب واقتضاء آخر (٣) ، فكم من شخص ليس له ولد ، ويقوم بذاته اقتضاء طلب العلم لولده على تقدير وجوده ، فله أن يقدّر في نفسه أن يقول لولده : اطلب العلم ،
__________________
(١) قيل ان اول من تفوه بذلك وأبدى هذه الكارثة أبو محمد عبد الله المتكلم البغدادي من أهل القرن الثالث وأراد بذلك حسب زعمه الجمع بين ظواهر الأدلة النقلية من اسناد الكلام اليه تعالى وصدوره منه وبين المحاذير في الكلام اللفظي وما درى المسكين انه ابتلى بمحاذير أشد من التصرف في ظواهر الأدلة بعد قيام البراهين السديدة.
(٢) وأيضا لا يخفى على احد انه كما ان من العبث والسفه ان يتكلم احد بالكلام اللفظي ولا يكون له فائدة ، كذلك من العبث والسفه ان يلاحظ هذه الأمور ازلا وأبدا ولا تكون له فائدة سيما بعد تحقق الاخبار عنه أو تحقق الأمر والنهى وهو ظاهر منه. «قده»
(٣) نظير الواجبات المشروطة أو المعلقة التي حققها المتأخرون في كتب الأصول بما لا مزيد عليه.