قال المصنّف رفعه الله
المطلب الثالث في حدوثه ، العقل والسّمع متطابقان على أنّ كلامه تعالى محدث ليس بأزليّ ، لأنه مركّب من الحروف والأصوات ، ويمتنع اجتماع حرفين في السّماع دفعة واحدة فلا بدّ أن يكون أحدهما سابقا على الآخر ، والمسبوق حادث بالضّرورة ، والسّابق على الحادث بزمان متناه حادث بالضّرورة. وقد قال الله تعالى (ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ) (١) ، وخالفت الأشاعرة جميع العقلاء في ذلك ، فجعلوا كلامه تعالى قديما لم يزل معه ، وأنّه تعالى في الأزل يخاطب العقلاء المعدومين ، وإثبات ذلك في غاية السّفه والنّقص في حقّه تعالى ، فانّ الواحد منّا لو جلس في بيت وحده منفردا ، وقال يا سالم قم ، ويا غانم اضرب ويا سعيد كل ولا أحد عنده من هؤلاء ، عدّه كلّ عاقل سفيها جاهلا عادما للتّحصيل فكيف يجوز منهم نسبة هذا الفعل الدّال على السّفه والجهل والحمق إليه تعالى؟ وكيف يصح منه تعالى أن يقول في الأزل : (يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ) (٢)؟ ولا مخاطب هناك ولا ناس عنده ، ويقول (يا أَيُّهَا النَّاسُ (٣) اتَّقُوا رَبَّكُمُ)؟ ويقول (يا أَيُّهَا الَّذِينَ (٤) آمَنُوا* أَقِيمُوا الصَّلاةَ) ، (وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ) (٥) (، وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ) (٦) و (، أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (٧)؟ وأيضا لو كان كلامه قديما لزم صدور القبيح منه
__________________
(١) الأنبياء. الآية ٢١.
(٢) كما في سورة البقرة. الآية : ٢١
(٣) كما في سورة الحج. الآية : ١
(٤) كما في سورة البقرة. الآية ١١٠ وغيرها من الآيات.
(٥) كما في سورة البقرة. الآية ١٨٨
(٦) كما في سورة الانعام. الآية ١٥١
(٧) كما في سورة المائدة. الآية ١.