الأزليّ ، وأيضا نحن لا نشترط في صدق المتكلّم أن يكون ذلك الشيء موجدا للكلام ، بل نقول : لا بدّ أن يكون بين الكلام وذلك الشيء ملابسة كما في الحدّاد والصّباغ والتمّار وغيرها ، وهي محقّقة هاهنا. إذ الكلام مخلوق (١) له تعالى ،
__________________
(١) مسألة مخلوقية كلامه تعالى ، وان القرآن قديم ، أو حادث ، مما وقع النزاع فيها من سالف الزمان ، بحيث قتل جمع من القائلين بقدمه ، وكذا من القائلين بحدوثه وكان المأمون العباسي ، من أشد العاضدين للحدوث. والقادر والمتوكل العباسيان قتلوا جماعة من القائلين بالحدوث واكثر الاشاعرة ، كالشيخ أبى الحسن شيخهم في كتاب الابانة والقاضي محمد بن الطيب الباقلاني وابن فورك والباهلي وامام الحرمين ذهبوا الى قدمه واستدلوا على ذلك بوجوه من السمع والعقل كلها مجاب عنها باجوبة شافية ، والمعتزلة وغيرهم ذهبوا الى حدوثه ، ولهم أدلة من النقل والعقل ، والرازي في كتاب الأربعين ص ١٧٩ وص ١٨٠ جمع بين كلمات الفريقين ، وجعل هذا النزاع الطويل الذيل قريبا من النزاع اللفظي ، وقال ان كلامه تعالى ، بمعنى الأصوات والحروف ، لا كلام في كونها حادثة ، واما كلامه الذي هو مدلول تلك الدوال فهو قديم واحد بالذات ، مختلف بالاعتبار ، من حيث اتصافه بالامرية والنهيية والخبرية وغيرها الى آخر ما قال وأنت خبير بان النزاع بين الاشاعرة ، وبين مخالفيهم في ثبوت ذاك الأمر الواحد القديم بجعله مغايرا للارادة والكراهة والعلم فالاشعرى يدعى التغاير ، وخصمائه ينكرون ذلك ، فعليه لا يكون النزاع لفظيا أو لغويا كما احتمله في طي كلماته.
ثم ان من الاشاعرة من صرح ، بكون الأصوات والحروف كمدا ليلها قديمة أيضا ، كما ان الكرامية ، ذهبوا الى انه خلق تلك الأصوات والحروف في ذاته القديم وجعلوا ذاته تعالى شأنه محلا لتلك الحوادث.
وبالجملة لو تأملت في هذه الأقوال والكلمات التي هي بين افراط وتفريط لرأيت بعين العيان ان النزاع ليس بلفظي كما توهمه وان هناك ابحاثا ، ومضامير فللنزاع في اثبات امر قديم قائم بذاته واحد بالذات مدلول للكلام اللفظي ، مضمار