من قائل : (وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكاءً وَتَصْدِيَةً) (١) وأىّ تغفل أبلغ من تغفّل
__________________
من أهل ذلك القرن لما رأوا تفنن المتكلمين في العقائد ، فاقتبسوا من فلسفة فيثاغورس وتابعيه في الإلهيات قواعد وانتزعوا من لاهوتيات أهل الكتاب والوثنيين جملا وألبسوها لباسا اسلاميا فجعلوها علما مخصوصا ميزوه باسم علم التصوف او الحقيقة او الباطن او الفقر او الفناء او الكشف والشهود والفوا وصنفوا في ذلك كتبا ورسائل ، وكان الأمر كذلك الى ان حل القرن الخامس وما يليه من القرون فقام بعض الدهاة في التصوف فرأوا مجالا ورحبا وسيعا لان يحوزوا بين الجهال مقاما شامخا كمقام النبوة بل الالوهية باسم الولاية والغوثية والقطبية بدعوى التصرف في الملكوت بالقوة القدسية فكيف بالناسوت ، فوسعوا فلسفة التصوف بمقالات مبنية على مزخرف التأويلات والكشف الخيالى والأحلام والأوهام ، فالفوا الكتب المتظافرة الكثيرة ككتاب التعرف ، والدلالة ، والفصوص ، وشروحه ، والنفحات ، والرشحات ، والمكاشفات ، والإنسان الكامل ، والعوارف ، والمعارف ، والتأويلات ونحوها من الزبر والاسفار المحشوة بحكايات مكذوبة ، وقضايا لا مفهوم لها البتة ، حتى ولا في مخيلة قائليها كما ان قارئيها او سامعيها لا يتصورون لها معنى مطلقا وان كان بعضهم يتظاهر بحالة الفهم ويقول بان للقوم اصطلاحات ، لا تدرك الا بالذوق الذي لا يعرفه الا من شرب من شرابهم وسكر من دنهم وراحهم فلما راج متاعهم وذاع ذكرهم وراق سوقهم تشعبوا فرقا وشعوبا وأغفلوا العوام والسفلة بالحديث الموضوع المفترى (الطرق الى الله بعدد أنفاس الخلائق) وجعل كل فرقة منهم لتمييزها عن غيرها علائم ومميزات بعد اشتراك الجميع في فتل الشوارب وأخذ الوجهة والتجمع في حلقات الاذكار عاملهم الله وجزاهم بما فعلوا في الإسلام.
وأعتذر من إخواني الناظرين عن إطالة الكلام حيث انها نفثة مصدور وتنفس صعداء وشقشقة هدرت وغصص وآلام وأحزان بدرت ، عصمنا الله وإياكم من تسويلات نسجة العرفان وحيكة الفلسفة والتصوف وجعلنا وإياكم ممن أناخ المطية بأبواب أهل بيت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ولم يعرف سواهم آمين آمين.
(١) الأنفال. الآية ٣٥.