بالضّرورة وآثار النّعمة علينا ظاهرة ، فيجب أن نشكر فاعلها ، وإنّما يحصل بمعرفته ، ولان معرفة الله تعالى دافعة للخوف الحاصل من الإختلاف ، ودفع الخوف واجب بالضّرورة ، وقالت الأشعريّة : إن معرفة الله تعالى واجبة بالسّمع لا بالعقل ، فلزمهم ارتكاب الدّور المعلوم بالضّرورة وبطلانه ، لأنّ معرفة الإيجاب تتوقّف على معرفة الموجب ، فإنّ من لا نعرفه بشيء من الاعتبارات البتّة نعلم بالضّرورة أنّا لا نعرف أنّه أوجب ، فلو استفيدت معرفة الموجب من معرفة الإيجاب لزم الدّور المحال ، وأيضا لو كانت المعرفة إنّما تجب بالأمر لكان الأمر بها إمّا أن يتوجّه إلى العارف بالله تعالى ، أو إلى غير العارف ، والقسمان باطلان ، فتعليل الإيجاب بالأمر محال ، أما بطلان الأوّل فلأنه يلزم منه تحصيل الحاصل وهو محال ، واما بطلان الثاني فلأن غير العارف بالله يستحيل أن يعرف أنّ الله تعالى قد أمره وأنّ امتثال أمره واجب ، وإذا استحال أن يعرف أنّ الله قد أمره وأن امتثال أمره واجب ، استحال أمره وإلا لزم تكليف ما لا يطاق ، وسيأتي بطلانه إن شاء الله تعالى.
قال النّاصب خفضه الله
أقول : لا بدّ في هذا المقام من تحرير محلّ النّزاع أولا ، فنقول : وجوب معرفة الله تعالى الذي اختلف فيه ، هل أنّه مستفاد من الشّرع أو العقل؟ إن أريد به الاستحسان وترتّب المصلحة فلا يبعد أن يقال : إنّه مستفاد من العقل لأنّ شكر المنعم موقوف على معرفته ، والشّكر واجب بهذا المعنى بالعقل ، ولا نزاع للأشاعرة في هذا ، وإن أريد به ما يوجب ترتّب الثّواب والعقاب فلا شكّ أنّه مستفاد من الشّرع ، لأنّ العقل ليس له أن يحكم بما يوجب الثّواب عند الله ، والمعتزلة أيضا يوافقون أهل السّنة في أنّ الحسن والقبح بهذا المعنى مركوزان