المصلحة والمفسدة بذلك يرجع إلى المعنى المتنازع فيه كما لا يخفى وأما ثالثا فلأنّ قوله : قلنا هذا ليس من الحسن والقبح الذين وقع فيهما المنازعة ، مدفوع بما أشرنا إليه : من أنّ إدراك حسن شيء أو قبحه بذلك المعنى لا يوجب كونه حسنا أو قبيحا عند الله مستحقا للثّواب أو العقاب منه ، فلا يوجب للمكلّف شيئا من الفعل أو التّرك ، وإنّما الموجب له علمه بأنّه حسن أو قبيح عند الله ، ومستلزم لنيل الثّواب أو العقاب ، وبما حقّقناه وقررناه ظهر أنّ ما سلكه في دفع لزوم الإفحام إنّما هو مسلك الشّيطان ، وحقيق بأن يضحك منه الصّبيان ، وأنّ انجرار أصحابه إلى الكفر والإلحاد متوجّه ، والتّعبير عن كلام المصنّف بالطامات غير متّجه ، وإنّما الطامات ما ذكره هو : من المقدّمات السخيفة والكلمات التي هي أوهن من استحسان أبي حنيفة ، فموّه بها العذب الفرات بالملح الأجاج (١) ، وتوقّع منها دفع مالا مدفع له من الإحتجاج ، ولعمري (٢) لا يروج ذلك المزيف المردود إلا على أهل نحلته الذين هم أشدّ غباوة من كوادن (٣) اليهود وأكثر غواية من عبدة العجل وقوم عاد وثمود.
قال المصنّف رفع الله درجته
المبحث الثالث في أنّ معرفة الله تعالى واجبة بالعقل ، الحق أن وجوب معرفة الله تعالى مستفاد من العقل وإن كان السّمع قد دلّ عليه ، لقوله تعالى : (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا اللهُ) (٤) ، لأنّ شكر النّعمة واجب
__________________
(١) مقتبس من قوله تعالى في سورة الفرقان. الآية ٥٣.
(٢) العمر : بفتح العين المهملة (الحياة جمعه أعمار) والدين وفي القسم يقال : لعمري اى لديني ولعمر الله وهكذا.
(٣) الكودن البرذون الهجين ويطلق في العرف العام على الشخص البليد وجمعه كوادن.
(٤) سورة محمد. الآية ١٩.