إلا به فهو واجب ، ومدرك هذا الوجوب هو السّمع كما سنحقّق بعد هذا ، وأما المعتزلة ومن تبعهم من الإماميّة فهم أيضا يقولون : بوجوب النّظر ، لكن يجعلون مدركه العقل لا السّمع ، ويعترضون على الأشاعرة بأنّه لو لم يجب النّظر إلا بالشّرع لزم إفحام الأنبياء وعجزهم عن إثبات نبوّتهم في مقام المناظرة ، كما ذكره من الدّليل ، والجواب من وجهين : الاول النّقض ، وهو أنّ ما ذكرتم من إفحام الأنبياء مشترك بين الوجوب الشّرعي الذي هو مذهبنا ، والوجوب العقلي الذي هو مذهبكم ، فما هو جوابكم فهو جوابنا ، وإنّما كان مشتركا إذ لو وجب النّظر بالعقل فوجوبه ليس ضروريّا ، بل بالنّظر فيه والاستدلال عليه بمقدّمات مفتقرة إلى أنظار دقيقة من أنّ المعرفة واجبة وأنّها لا تتمّ إلا بالنّظر ، وأنّ ما لا يتمّ الواجب إلا به فهو واجب ، فيقول المكلّف حينئذ : لا أنظر أصلا ما لم يجب ولا يجب ما لم أنظر ، فيتوقّف كلّ واحد من وجود النظر مطلقا ووجوبه على الآخر لا يقال انه يمكن أن يكون وجوب النّظر فطرىّ القياس ، فيضع النّبي للمكلّف مقدّمات ينساق ذهنه إليها بلا تكلّف ، ويفيده العلم بذلك ، يعنى بوجوب النّظر ضرورة ، فيكون الحكم بوجوب النّظر ضروريّا محتاجا إلى تنبيه على طرفيه ، (١) لأنا نقول : كونه فطريّ القياس مع توقّفه على ما ذكرتموه من المقدّمات الدّقيقة الأنظار باطل وعلى تقدير صحّته بأن يكون هناك دليل آخر فللمكلّف أن لا يستمع إليه وإلى كلامه الذي أراد به تنبيهه ولا يأثم بترك النّظر أو الاستماع ، إذ لم يثبت بعد وجوب الشّيء أصلا ، فلا يمكن الدّعوة وإثبات النّبوة ، وهو المراد بالإفحام ،
والجواب الثاني الحل : وهو أن يقال : النبيّ له أن يقول إذا قال المكلّف :
__________________
(١) ولا منافاة بين كون الشيء بديهيا ومحتاجا الى التنبيه لكثرة المشاغل والشواغل في نشاة الناسوت بحيث قد يكون الإنسان ذاهلا عن ما يعشقه ويتعلق به كما لا يخفى.