قوله : ولو كان لأجل الامتناع لمنعهم موسى عليهالسلام عن ذلك (إلخ) يدلّ على أنّ موسى لم يمنعهم عنه وليس كذلك بل منعهم عنه (١) كما يدلّ عليه ما روى في شأن النزول وسياق قوله تعالى : (إِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ) ، مع قوله أتهلكنا بما فعل السّفهاء (٢) منّا كما يجده العارف بخواصّ الكلام ومقتضيات الحال والمقام وأما عاشرا ، فلأنّ ما أتى به من إظهار القدرة على إقامة الدّلائل الرّزينة والرّصينة العقليّة على صحّة الرّؤية ففيه إزراء (٣) بجلالة قدر شيخه الأشعري وسائر مشايخه حيث لم يقدروا مع كثرتهم في مدّة ثمانمائة سنة على إقامة دليل عقليّ إقناعيّ على ذلك سوى الدّليل المشهور الذي قد صار من توارد سهام الاعتراض عليه كبيت الزّنبور ، بل في ذلك إهانة عظيمة لإمامه فخر الدّين الرّازي لما سنذكره : من أنّه هرب (٤) عن هذا المضمار ، وارتكب عار الفرار ، فظهر أنّ ما ذكره من التّصلّف (٥) زيادة نغمة (٦) منه على
__________________
(١) ويشهد لمنع موسى وإبائه عن مسألتهم إصرارهم له وقولهم لا والله (حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً) كما رواه الطبري في تفسيره (ج ١ ص ٢٢٤) من ان موسى لما أتاهم بالالواح قد كتب فيها التورية وقال : ان هذه الألواح فيها كتاب الله فيه أمره الذي أمركم به ونهيه الذي نهاكم عنه ، فقالوا : ومن يأخذه بقولك أنت؟ لا والله حتى نرى الله جهرة حتى يطلع علينا.
(٢) البقرة. الآية : ١٥٥.
(٣) الإزراء. التعييب.
(٤) حيث التجاء في اثبات جواز الرؤية الى ظواهر الأدلة النقلية بعد الاعتراف بتعذر إثباته بالادلة العقلية وسيأتي كلامه قريبا.
(٥) التصلف. التملق.
(٦) إشارة الى مثل معروف ، قال الميداني في المجمع ص ٢٢١ : انه من الأمثال المولدة.