الاجيال هجيناً مشوباً بالادران ، وهو ما سيتبين من خلال ما سنتعرض إليه لاحقاً.
بلى لم تكن مسألة اقامة أُسس تأريخ اسلامي متخصص بممتنعة وشاقة ابداً ، بل كانت المشقة العظيمة تكمن في كتابة تاريخ الحقب الماضية التي مضى عليها الزمن وما ابقى لها حتى اطلالاً ، وبالاخص في ارض الجزيرة ، مهبط الوحي ، ومنطلق الرسالة المحمدية المباركة ، حيث أن ما توافر من معلومات متناثرة عن طبيعة الاحوال التي كانت سائدة آنذاك ، كانت من الندرة والتشتت بشكل لا يتيح للمؤرخ القدرة على استيعابها وبشكل جامع وشامل يطمئن إليه ، ولقد كان اكثر ما ورد عنها لا يتجاوز النقوش المكتوبة بالخط المسند على حوائط المعابد والاديرة واعمدة الحصون والقصور في الحيرة واليمن ، ترافقها روايات وإساطير منقولة شفاهاً عن اسماء الملوك القدماء وحكاياتهم ، مع قصص غامضة ومهولة او مشوشة عن ايام القبائل وحروبها مشفوعة بالاشعار ، والتي ضاع معظمها بضياع اشعارها ، واما ما قيل من ان وهب بن منبه ، وعبيد بن شرية (١) كانا من مصنفي تأريخ تلك الحقبة الماضية ، فلا مناص من القول بان حقيقة عملهما ما كان إلا تسطير ملحمي ، وسرد مشوش ، لانهما ما كانا في عملهما إلا كخابطي عشوة في اكثر ما اورداه.
تلك كانت مشقة الكتابة للعصور السابقة لبداية التوجه نحو كتابة التأريخ ، واما التأريخ الأسلامي ، فكما ذكرنا سالفاً كان حظه وافراً في كثرة ما كُتب عنه ، وما اُلّف في شأنه ، فهناك العشرات من المحاولات المستمرة ، والتي حاولت ان تضع لبنات التأريخ الاسلامي ورص أسسه في ارض الواقع المعاش ، حلّ بأكثرها النسيان والضياع ، أو عدم الالتفات إلى مدى جديتها او
ــــــــــــــــــ
(١) كان في صنعاء فاستدعاه معاوية فكتب له كتاب الملوك واخبار الماضين.