فإن قلت (١) : نعم ، جهالة المأمور به توجب استحالة طلبه ، ولكن تأخير البيان عن وقت الحاجة دليل على إرادة فعل كلّها ، فلا مانع من الأمر بقضاء المنسيّة مع جهالته وتأخير البيان ، فيكشف ذلك من إرادة كلّها لئلّا يلزم المحذور ، وذلك نظير من يحمل المفرد المحلّى في مثل قوله تعالى : (وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ)(٢) على العموم ، على القول باشتراكه بين العهد والجنس والاستغراق ، فيجب أن يحمل الأمر بقضاء الفائت على كلّ الخمس ، وكذلك النّهي عن التكفير على كلّ محتملاته.
قلت : مع أنّ هذا ليس إتيانا بالاحتياط والتزاما للأفراد المتعدّدة لأجل تحصيل المكلّف به كما هو المطلوب ، بل هو الإثبات لإرادة العموم وهو شيء آخر.
يرد عليه : أنّه لم يتوجّه إلينا خطاب حتّى يجري فيه ما ذكر ، ولعلّه كان البيان موجودا واختفى علينا ، فلا بدّ أن يبيّن حكم مثل ذلك ، مضافا الى أنّ إخراج كلام الحكيم عن اللّغوية والإغراء بالجهل القبيح [بالقبيح] كما يحصل بالحمل على العموم ، فقد يحصل بالتخيير ، لم لا يكون تأخير البيان مع تعدّد الاحتمال قرينة للتخيير ، فإذا فرض الأمر بالاعتداد بالقرء مثلا مع عدم البيان ، فنقول : إنّ ذلك قرينة على التخيير.
وكذلك الكلام في الفريضة المنسيّة لو فرض ثبوت دليل على وجوبها بنفسها ، مع أنّ الفائدة في الإتيان بالكلّ إن كان هو تحصيل اليقين بالمكلّف به الواقعي ، فلا ريب أنّه لا يحصل بذلك أيضا ، لأنّ اشتراط قصد التعيين في الامتثال بالمكلّف به ، من المسائل الاجتهادية ، وهو ممّا لا يمكن هنا ، فمع عدمه كيف يحصل اليقين
__________________
(١) وهو إيراد على قوله : وعموم الأوامر الدّالة على وجوب القضاء.
(٢) البقرة : ٢٧٥.