ويمكن ان يكون مراده بما استثناه بقوله : نعم ... الخ. مثل الأمر بقضاء الفائتة المنسيّة المتردّدة بين الخمس (١) ، ومثل اشتراط صحة الصّلاة بعدم التكفير المختلف في تفسيره بأنّه وضع الكفّ اليمنى على اليسرى أو بالعكس ، أو غير ذلك مثل من اشتبه عليه الأمر في وجوب القصر في الصلاة أو الإتمام ، أو الظّهر والجمعة.
ونقول : وإن كان مقتضى النظر الجليل هو ما ذكره رحمهالله ، ولكن دقيق النظر يقتضي خلاف ذلك ، فإنّ التكليف بالأمر المجمل المحتمل لأفراد متعدّدة بإرادة فرد معيّن عند الشّارع مجهول عند المخاطب ، مستلزم لتأخير البيان عن وقت الحاجة (٢) ، الذي اتّفق أهل العدل على استحالته وكلّ ما يدّعى كونه من هذا القبيل فيمكن منعه ، إذ غاية ما يسلّم في القصر والإتمام والظهر والجمعة وأمثالهما ، أنّ الإجماع وقع على من ترك الأمرين بأن لا يفعل شيئا منهما يستحقّ العقاب ، لا أنّ من ترك أحدهما المعيّن عند الشّارع المبهم عندنا ، بأن ترك فعلهما مجتمعين يستحقّ العقاب.
ونظير ذلك مطلق التكليف بالأحكام الشرعيّة سيّما في أمثال زماننا على مذهب أهل الحقّ من التخطئة ، فإنّ التحقيق أنّ الذي ثبت علينا بالدّليل هو تحصيل ما يمكننا تحصيله من الأدلّة الظنّية ، لا تحصيل الحكم النّفس الأمريّ في كلّ واقعة ، ولذلك لم نقل بوجوب الاحتياط ، وترك العمل بالظنّ الاجتهاديّ في أوّل الأمر أيضا.
نعم ، لو فرض حصول الإجماع أو ورود النصّ على وجوب شيء معيّن عند
__________________
(١) راجع «الفصول» ص ٣٥٩ ، ففيه زيادة بيان في المقام.
(٢) وقد لا ينهض هذا الكلام لإمكان خفاء البيان علينا وعدم وصوله إلينا.