من جهة المطابقة لأصل البراءة وعدمها ، ربّما يتوهّم أنّ الاستصحاب قد يصير مؤسّسا لإثبات حكم شرعيّ كما يقال : إنّ استصحاب الطهارة يدلّ على أنّ المذي ليس بناقض ، فأثبت الاستصحاب هذا الحكم ، أعني عدم الناقضيّة لهذا الموضوع ، أعني المذي.
وكذا فيما نحن فيه ، يقال : إنّ استصحاب النجاسة واشتغال الذمّة بالاجتناب هو الذي أوجب السّبع ، وهذا غفلة ، إذ المقتضي للحكم بعدم الناقضيّة هو أصل البراءة (١) والتخيير بين الأمارتين ، فإنّ الأمارتين في المذي قد تعارضتا في أنّه ناقض للوضوء أم لا ، وأصالة البراءة وعدم ثبوت التكليف بالطّهارة الجديدة وعدم ترجيح إحدى الأمارتين على الأخرى المقتضي للتخيير ، أثبت هذا الحكم. والمتوهّم قد توهّم أنّ المثبت له هو استصحاب الطّهارة ، وهو كما ترى ، فإنّه إنّما يثبت بقاء الطّهارة لو لم يثبت رافعه الواقعيّ.
فإذا فرضنا موضع هذا المثال ، أنّ الوضوء التّجديديّ إذا ظهر مسبوقيّته بالحدث ، فهل يكون رافعا للحدث أم لا ، وتعارض الأمارتان فيه ، فمقتضى التخيير والأصل هو كونه رافعا ، وإن كان مقتضى استصحاب الحدث هو العدم.
ففيما نحن فيه نقول : إنّ استصحاب النجاسة وإن كان يقتضي عدم الطهارة إلّا بالسّبع ، ولكنّ استصحاب براءة الذمّة عن التكليف بالسّبع ، وتكافؤ الأمارتين الموجب للتخيير أثبت الاكتفاء بالأقلّ.
__________________
(١) أورد عليه في «الإشارات» بأنّ الأصل بنفي التكليف والنّاقضية حكم وضعي ، وبأنّ التخيير فرع التّكافؤ وما دلّ على عدم ناقضيّته مؤيّد بما دلّ على حصر النّواقض عمل الجمهور والإجماعات المنقولة ، كما عن الملا محمد تقي الهروي.