شكّ في حصول الماهيّة الثابتة بالدّليل المفروغ عنها في الخارج ، بسبب الشّك في حصول بعض أجزائها وهو معنى الاستصحاب ، ومقتضى قولهم : لا تنقض اليقين بالشّك أبدا ، وهذا مثل ما لو شك في فعل الصلاة مع بقاء الوقت أو في بعض أجزائها ما لم يدخل في آخر ، الى غير ذلك ممّا لا يحصى.
وأمّا ما ذكره المحقّق (١) من مثال الولوغ ، فالمفصّل يقول : إنّ الذمّة مشغولة بوجوب تطهير الإناء ، ولا يحصل اليقين به إلّا بالسّبع.
وفيه : أنّه لم يثبت اشتغال الذمّة في التطهير إلّا بأحد الأمرين أو بأقلّهما ، لأنّه هو المتيقّن الثبوت ، والمجمع على ثبوته ، وإن لم يكن مجمعا على مطهريّته. فالتطهير تكليف مغاير لوجوب الاجتناب عن الإناء ، وهذا التكليف اختلفت فيه الأمارتان ، فإذا لم يترجّح أحدهما على الآخر فنقول : مقتضى الأدلّة التخيير وهو مقتضى أصل البراءة.
وأمّا استصحاب وجوب الاجتناب فهو أمر آخر ، وهو أيضا مستصحب يمكن أن يكون مؤيّدا لإحدى الأمارتين وهو أمارة السّبع ، وهذا ليس معنى استصحاب شغل الذمّة بالتطهير المقتضي لإيجاب السّبع ، فإنّ التطهير تكليف جديد ورد فيه أمارتان مستقلّتان ، وحكم التعارض فيهما التخيير وجواز اختيار الأقلّ ، فحينئذ نقول : الأصل براءة الذمّة عن وجوب التطهير إلّا بما تيقّن اشتغالها به ، وهو الغسل مرّة ، والآخر منفيّ بالأصل وإن كان استصحاب النجاسة يؤيّد العمل بالسّبع ، وهذا هو مراد المحقق (٢) رحمهالله ، لا أنّ اشتغال الذّمة بوجوب الاجتناب عنه الذي هو معنى
__________________
(١) في «المعارج» ص ٢١٦.
(٢) يعنى انّ المحقّق يريد بما مرّ من قوله : ويمكن أن يقال قد أجمعنا ما ذكرناه من أنّ ـ