وهذا كلّه موافق للأصل الذي قرّرنا والأخبار العامة الدالّة على عدم المؤاخذة بدون العلم ، والمقيّدة للإطلاق والرّخصة حتّى يرد فيه نهي ، وما دلّ بالعموم على أنّ «كلّ ما فيه حلال وحرام فهو حلال حتّى تعرف الحرام بعينه». والقول بأنّ قاعدة الشّبهة المحصورة ووجوب الاجتناب عن الجميع لكونه مقدّمة للواجب أصل ، وخروج جوائز الظّالم ، والشّراء من العامل والسّارق بسبب تلك الأخبار ، ليس بأولى من أن يقال : قاعدة أصل البراءة الثابتة بالأدلّة العقليّة والنقليّة يقتضي الحلّ. خرجنا عن مقتضاها في الإناءين المشتبهين والوطء في المشتبهة بالأجنبيّة إن كان إجماعيّا وهو غير معلوم ، والقصاص في المشتبه بمحرّم الدّم ونحوها بالدّليل ، وبقي الباقي تحت الأصل ، مع أنّك قد عرفت بطلان كونه مقدّمة للواجب بمنع الوجوب.
ثمّ إنّ هاهنا قولا آخر وهو أنّ الحلال المشتبه بالحرام يجب التخلّص منه بالقرعة ، لما ورد من أنّها لكلّ أمر مشكل (١) ، وخصوص بعض الأخبار مثل ما رواه الشيخ الجليل الحسن بن علي بن أبي شعبة في «تحف العقول» (٢) عن موسى بن محمّد بن الرضا عن أخيه أبي الحسن الثالث عليهماالسلام حين سأله يحيى بن أكثم عن مسائل فسأل عنها أخاه عليهالسلام فأجابه ، فكان من جملة تلك المسائل انّه سأله عن رجل أتى الى قطيع غنم فرأى الرّاعي ينزو على شاة منها فلمّا بصر بصاحبها خلّى سبيلها فدخلت بين الغنم كيف تذبح؟ وهل يجوز أكلها أم لا؟ فأجاب عليهالسلام : «إن عرفها ذبحها وأحرقها وإن لم يعرفها قسّم الغنم قسمين وساهم
__________________
(١) كما في «البحار» ٨٨ / ٢٣٤.
(٢) ص ٤٧٧ و ٤٨٠.