وفي موضع آخر منها : يستخدم العبد خمسة سنين ثمّ يعتق ، فعلم أنّ المراد من الأوّل طول المدّة.
هذا مع ما يرد عليهم من المعارضة بوقوع النّسخ عندهم ، فقد ورد في التوراة أنّه تعالى أمر آدم عليهالسلام بتزويج بناته من بنيه ثمّ حرم [حرّم] ذلك في شريعة موسى (١) ، وأنّه أحلّ لنوح عليهالسلام وقت خروجه من الفلك كلّ دابّة ثمّ حرّم كثيرا منها في شرع موسى ، مع أنّ التأبيد في الزّمان بمنزلة دلالة العامّ على الأفراد ، فيجوز التخصيص فيهما معا ، والتناقض المتوهّم مندفع بذلك كنظائره.
واحتجّ اليهود أيضا : بأنّه لمّا بيّن شرع موسى عليهالسلام فاللّفظ الدالّ عليه إمّا أن يدلّ على دوام شرعه أو لا.
وعلى الأوّل ، فإمّا أن يقترن بشيء يدلّ على أنّه سينسخ أم لا.
أمّا على الأوّل ، فمع أنّه مستلزم للتناقض ، يرد عليه أنّه ممّا تقضي العادة بنقله متواترا لتوفّر الدّواعي عليه ، ولو نقل لما وقع الخلاف فيه مع أنّه لو جاز ذلك ولم ينقل لورد عليكم أيضا أنّه يجوز أن يكون شرع نبيّكم أيّها المسلمون مقرونا بذلك ولم ينقل.
وأمّا على الثاني ، فيلزم التّلبيس والإغراء بالقبيح ، وعلى الثاني فلا يقتضي إلّا فعله مرّة واحدة لأنّ الأمر لا يقتضي الدّوام وذلك لا يسمّى نسخا.
وفيه : أنّا نختار أوّلا : أنّه ذكر ما يدلّ على الدّوام ولا يضرّه التصريح بخبر النّسخ ولا عدمه.
أمّا الأوّل فلأنّ التصريح بأنّه سينسخ حينئذ قرينة على التجوّز في الدّوام فلا
__________________
(١) وكذا ذكر في «الزبدة» ص ١٥٤.