وكذلك آية الصدقة قبل النجوى مع الرّسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وغيرها ممّا لا نطيل بذكرها وذكر ترّهات أبي مسلم ، والعمر أشرف من أن يضيّع في أمثاله.
ولعلّ أبا مسلم يقول فيما ثبت بالبديهة نسخه ، كأكثر ما ورد في الشرائع السّالفة بأنّها كانت محدودة ، فلا ينافي إنكاره إسلامه.
وأمّا ما تمسّك به من الآية ، فمدفوع : بأنّ المراد أنّه لا يأتيه كتاب يبطله ، ولم يتقدّم عليه كتاب يردّه ، مع أنّ النّسخ ليس بإبطال ، بل بيان لانتهاء مدّة الحكم ، أو مرجع الضمير هو المجموع من حيث المجموع.
وأمّا اليهود ، ففرقة منهم منعوه عقلا ، وفرقة سمعا ، وفرقة جوّزه مطلقا ، لكنّها أنكرت معجزات نبيّنا صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وفرقة أقرّت بها واعترفت بنبوّته صلىاللهعليهوآلهوسلم للعرب دون غيرهم.
وتمسّك من قال باستحالته عقلا باستحالة كون الشّيء حسنا قبيحا ، والأمر يقتضي كونه حسنا ، ورفعه يقتضي كونه قبيحا.
وجوابه : منع كون الحسن والقبح ذاتيّين في جميع الأشياء ، بل قد يكون بالوجوه والاعتبارات ، وذلك كشرب الأدوية وأكل الأغذية ، فقد يكون مصلحة في وقت ومفسدة في آخر ، وقد يكون الفعل مصلحة الى زمان ، ومفسدة بعده. وبذلك يندفع ما يتمسّك بعضهم بقوله تعالى : (وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً)(١) من باب الإلزام ، فإنّ السّنّة هو مجموع الأمرين ، فالمجموع سنّة واحدة ولا تبديل فيه ، بخلاف سنّة العباد ، فإنّ أطبّاء الأبدان قد يمهّدون شرب الدّواء على كيفيّة خاصّة ، على ترتيب خاصّ للمنضج والمسهل والمقوّي وغير ذلك ، وقد يحصل لهم البداء
__________________
(١) فاطر : ٤٣.