القياس المستنبط ، سيّما ومن المعلوم أنّ ردعهم عليهمالسلام إنّما كان عن العمل بما أحدثوه وأبدعوه من قبل أنفسهم ومن جهة عقولهم القاصرة لقصر العقول عن البلوغ الى مصالح الأحكام المخفيّة ، ولم يتمسّك من تمسّك بذلك فيما نحن فيه إلّا من جهة الاعتماد على كلام الشارع ، غاية الأمر التشكيك في الدخول وعدم الدخول ، فلم يثبت الحرمة.
وأما الجواز ، فيمكن إثباته لاندراجه تحت عموم ظنّ المجتهد ، أو نقول : إنّ النّسبة بين ما دلّ على حرمة العمل بالقياس ووجوب العمل بمدلولات الأخبار ، تعارض من وجه ، وذلك أقوى لاعتضاده بالأصل والشهرة وغيرهما.
ثمّ إنّ العلّامة رحمهالله قال : لا نزاع بين الفريقين في أنّ العلّة المستفادة من الشّرع بعنوان الاستقلال واجب الاتّباع. يعني ، أنّا إذا علمنا أنّ علّة حرمة الخمر هو مطلق الإسكار مستقلّا فلا نزاع في التعدّي ، إنّما النّزاع في أنّ معنى قول الشّارع : حرّمت الخمر لأنّه مسكر ، هل هو ذلك أم لا.
واعترضه صاحب «المعالم» رحمهالله : (١) بأنّ السّيد رحمهالله مع أنّه معترف بأنّه يفيد العلّيّة فهو من المانعين ، فلعلّ العلّامة رحمهالله لم يقف على احتجاجه ، فإنّه احتجّ على المنع بأنّ علل الشّرع إنّما تنبئ عن الدّواعي الى الفعل ، أو عن وجه المصلحة فيه ، وقد يشترك الشّيئان في صفة واحدة وقد تكون في احداهما داعية الى فعله دون الآخر مع ثبوتها فيه ، وقد يكون مثل المصلحة مفسدة ، وقد يدعو الشّيء الى غيره في حال دون حال ، وعلى وجه دون وجه ، وقدر منه دون قدر. قال : وهذا باب في الدّعاوي معروف ، ولهذا جاز أن يعطى على وجه الإحسان فقير دون فقير
__________________
(١) ص ٥١٦